التربيَّة بالحوار وأثرها على شخصيَّة المتعلَم.
تُعتبر التربية ظاهرة اجتماعية ذلك أنَّها لا تتِمُّ دون وجود مجتمعٍ ما، فلا وجودَ لها إلا بوجود المجتمع. والتَّربية بكلِّ أحوالها لا تهتم بالفرد منعزلاً عن المجتمع، بل إنَّها تهتمُّ بالفرد والمجتمع معاً، وفي وقتٍ واحد ومتزامن، وذلك من خلال اتصال الفرد بالمجتمع وتفاعلِه سلباً أو إيجابًا مع هذا المجتمع.
وأساليب التربية وطرقها متعدِّدة، إلا أنَّ أبرز الأساليب التربويَّة التي يجب أن يربَّى عليها الناشئة؛ سواء كانت تربية الأبناء داخل الأسرة، أم المدرسة: هي الحوار.
والتربية عن طريق الحوار والإقناع هي من الأساليب المهمة التي أكَّد عليها القرآن الكريم في تربية الأمَّة الإسلامية، من ذلك قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} سورة يس، الآيتان 78-79.
مقوِّمات الحوار:
وحتَّى يؤتي الحوارُ ثمارَه كان لا بدَّ من توافر بعض المقوِّمات منها:
- تحديد موضوع النقاش: فإذا لم يتم تحديد موضوع النقاش فإنَّ الحوار لا يأتي بنتيجة إيجابية، وتكمن أهمية تحديد وحصر عناصر القضيَّة المطروحة للحوار في عدم خروج الحوار عن دائرته فيصبح عملاً فوضويًّا غير موجَّه ويؤدِّي إلى تشتُّت ذهني.
- إعطاء معلومات للمتحاورِين، قبل الشروع بأيِّ حوار؛ فلا بدَّ من إعطاء معلومات للمتحاورٍين؛ فالمعلِّم حين يختار موضوعاً للمناقشة يجب عليه إعطاء معلومات كافية عنه للمتحاورِين حتى يكونوا على بيِّنة من الموضوع المطروح للنقاش.
- البُعد عن التعصُّب والتجريح: إنَّ الأسلوب الناجح للحوار يكمن في اللِّين والصبر والـتأدُّب والقول الحسن، فعلى المتحاورِين البُعد عن الشتم والألفاظ النابيَة والمُسيئة بغية الوصول إلى ثمرَة الحوار المرجوَّة.
- الالتزام بموضوع الحوار؛ وذلك بعدم الانتقال من فكرة إلى أخرى دون الانتهاء من مناقشة الفكرة الأولى وتحليلها؛ لأنَّ الالتزام بالموضوع وتحديده يحقِّق الهدف من الحوار.
أهداف الحوار:
لكلِّ حوار هدف، وهو الوصول إلى نتيجة مَرْضيَّة للطرفَيْن، ومن أهداف الحوار: أنَّه يقرِّب وجهات النظر، ويُزيل الفجَوات بيْن المتحاورِين، ويُبعد التناحُر والتنافر بينهم وينشر الأُلفة والمحبة. وبالحوار تتعدَّد الخيارات أمام المُحاور ممَّا يسهِّل عليه عملية الفَهم والاختيار السليم. كما أنَّ من أهداف الحوار تعويد أولادنا والمتعلِّمين على حُسن الاستماع لمن يتحدَّث أمامنا سواء كان ذلكم في حوار أو خُطبة أو محاضرة، لأنَّ احترامنا للمتحدِّث ينُمُّ عن احترامنا لذواتنا. إضافة إلى تعوِيد أبنائنا والمتعلِّمين على طرح الأسئلة، وهذا كلُّه يمرِّن الناشئة والمتعلِّمين والكبار والصغار على أن يسألوا عن الأمور غير المنطقية لديهم، وغير المألوفة.
وفي الختام يمكن القول: إنَّ التربية عن طريق الحوار والإقناع قضيَّة بالغة الأهمية في حياة الفرد والجماعة على حدٍّ سواء. وقد أكَّد على هذه الأهمية ما ورد في القرآن الكريم حول وصية لقمان لابنه وحواره معه، فقد خلَّد الله تعالى هذه الوصيَّة لتكون قدوَةً في الحوار والإقناع للآباء والأمهات وأسرَة المعلِّمِين والمربِّين في اعتماد هذا المنهج التربويِّ القائم على الحوار، والذي يُعتبر من أنجح الوسائل التربويَّة وأكثرها أثراً وأفضلها نتيجة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن