نجوى بنوت: أخصَّائيَّة نفسيَّة وأسريَّة، محلَّفة نفسيَّة لدى محكمة حاصبيا الشرعية السنيَّة. مسؤولة لجنة الأسرة في جمعية النجاة الاجتماعية بيروت، المدير التنفيذي، ومدير البرامج لشركة Enspire group
العنف.. والحب
ليست كل سلوكيات العنف ذات دوافع سلبية، فبعض مظاهر التعنيف تكون بدافع الحب. لست في صدد الدفاع أو التبرير عن تلك السلوكيات الشاذة في التعبير عن الحب؛ بل لنكشف الغطاء قليلًا عما خلف التواصل العنيف الذي يخيم على العلاقات، لربما في كشفنا ذلك يراجع كل فرد نفسه، قبل أن يعيش دور الضحية التي مورست عليها القسوة، وشتى أنواع الحرمان العاطفي، ولربما كنت أنت نفسك المعنف.
لذا عليك أن تسأل نفسك: هل أنا من الذين يعبّرون عن مشاعر الحب بطريقة لا تروق لمن حولي؟ وما هو مردود تلك السلوكيات على العلاقة؟ لعلنا في ذلك نعيد النظر فيها ونعمل على تعديلها، لننقذ علاقاتنا من الانهيار، ومن انعكاس مشاعر الحب آلامًا نفسية علينا وعلى الآخر.
على سبيل المثال لا الحصر تضرب الأم ابنها لكونها تحبه، ولا تريده أن يُعرّض نفسه للأذى؛ فكم مرة شاهدت، سمعت، أو عايشت ضياع طفل تبحث عنه الأم ومن معها، حتى يكاد ينفطر قلبها خوفًا وبكاء عليه، وما أن يعود إليها حتى تنهال عليه توبيخًا لذهابه إلى ذلك المكان الذي أدّى إلى ضياعه، في حين أنّه حريّ بها في تلك اللحظة أن تأخذه بين أحضانها ليهدأ قلبها وتُشعر طفلها بالأمان الذي افتقدته تلك الفترة.
ثم تأتي مرحلة التوجيه بالحوار الهادئ، لتعلّم الطفل اجتناب المخاطر. وكم من أب يضرب ويُعنّف أولاده لتراجعهم في الدراسة؛ فهو يريد منهم أن يكونوا أفضل الناس، أو أب شديد التعامل مع ابنه يريد منه أن يكون رجلًا لا خنوعًا، كم مرة سمعنا أحد الوالدين يقول لابنه إيّاك أن تبكي فالرجل لا يبكي، على اعتبار أن الرجولة تكمن في القسوة، ولا يدركون بأنه إنسان في فطرته مشاعر وأحاسيس!
الحب العنيف أحيانًا يؤدي إلى الخنق في العلاقات، فترى الزوج يضيّق الخناق على زوجته لحبه وغيرته عليها، فتنقلب تلك المشاعر إلى صدامات، فهو يحبها ويخشى عليها، وهي لا ترى من سلوكه إلا الخنق والسيطرة. وكم من زوجة أرّقت مضجع زوجها وهي تتحرى تفاصيل يومه في الخارج..
فلو نظرنا إلى تلك العلاقات لوجدنا كمية الشحنات السلبية التي تصل إلى الطرف المحبوب على أنها مشاعر كره لا حب، تنفير لا تقريب، ولو أتقن أطرافها مهارات التواصل بالحب لكان خير حصن لها.
وفي الختام أقول إنّ النبي عليه الصلاة والسلام، أوصانا بالكلمة الطيبة لتكون صدقة، لعلمه بتأثيرها على المشاعر الإيجابية وإيقاظها في النفوس، فجددوا العلاقات بالتعبير عن الحب لا العنف، وحافظوا عليه؛ فتأليف القلوب رزق من عند الله لا يستطيعه البشر، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)} الأنفال.
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في وصفه لحب السيدة عائشة "إنّي رزقت حبّها".
نسأل الله تعالى أن يحفظ بيوت المسلمين من الشتات وأن ينعم عليها بالسكن والرحمة .
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن