بشائر الفتح المبين من نصر غزة العظيم
لم أجد أحسن قولًا أقوله بداية مقالي هذا من قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمى}، في تشخيص وتصوير مشهد مهيب، لطالما حلمنا به بعد ركود مديد أوقعنا به مَن باعوا أوطانهم، ليس حتى بالغالي النفيس؛ بل بالبخس الرخيص من الحكام الذين أقاموا لحدود البلاد جيوشًا، لا لتحمي الديار وتعيد المسلوب من الأرض والعمَار بعزة وفخر واقتدار؛ بل لحماية عروشها من السقوط والاندثار، وتبقى عليه، ما غاب ليل وطال نهار.
وما حدث بالأمس القريب، قلَب تلك المعادلات الرخيصة، وأبانَ عظمة هذه الأمّة أمّة التوحيد، وجعل العالم ينظر إليها كما كان ينظر إلى سيف خالد بن الوليد الذي لم ينكسر، وما لانَ منه الحديد، وإلى مُلك هارون الرشيد...
وإلى صلاح الدين الأيوبي الذي كسر شوكة الإفرنج، وطهّر بيت المقدس من رجس الصليبيين في حطّين، ورفع راية الجهاد في مسرى المعراج خير العباد، وبعده مرّت على الأمّة سنوات عِجاف، جعلت آخر خليفة للمسلمين في تركيا، يدفع ثمن رفضه بَيع أرض فلسطين ولو بحفنه تراب منها، فمن يبيع مترًا فقد باع قطرًا.
وقال قولته الشهيرة: 'هذه الأرض ليست ملكي هي أرض الآباء والأجداد'، وحفظ له التاريخ هذا الموقف الأبيّ، وإن كان خسرعرشه، فقد ربح دينه وشرفه، وبعد سقوط الخلافة وضياع بيضة الأمّة وصمام الأمان فيها، أمكن لأعداء الإسلام أن يعيدوا شذّاذ الآفاق من اليهود أصحاب التلمود، وحفدة الخنازير والقردة، ليستوطنوا ما سمّوه أرض الميعاد، وهم قد أتوا إلى حتفهم بأرجلهم ليجري عليهم قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}، وقوله تعالى: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}.
وقد بنى اليهود الغاصبون مجد دولتهم الورقيّة العنكبوتيّة، ليس بقوة منهم، فهم شعب لا يعرف معنى الرجولة والبطولة، وهم الذين قال أحفادهم يومًا لنبيِّهم موسى عليه السلام، ما حكاه القرآن عنهم: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
ولكن قوّتهم استمدوها من حبل الناس الممدود لهم من بلاد الشرك، والكفر، ومن ضعف، وخوار حكام بلاد المسلمين الذين كانوا وما زالوا دمًى بأيدي عدوّهم، والذين جعلوا جيوشهم الجرارة يُذيقون شعوبهم طعم النار والصديد.
فهل يستسلم أهل التوحيد ومن أعزّهم الله بدينه المجيد، ووعدهم بنصره الأكيد. الجواب: قطعًا لا، فقد أذاق هؤلاء الأشاوس اليهود الغاصبين طعم جهنم، والسجن على مدار عشرات السنين، ورغم آلة القمع المدعومة من بلاد الكفر، والشرك، التي تتوحّد في مواجهة الإسلام، والمسلمين، ومن خنوع، وخضوع الحكام المأجورين. وكانت باكورة النصر العظيم من غزة هاشم أرض العزة، والكرامة، وحفظة كتاب الله المبين.
حيث شاهد العالم كيف أنّ هذا القطاع الصغير بمساحته، وسكانه، وتواضع إمكاناته قد خرج منه رجال، وأيّ رجال قد اخترقوا كل جدار، وأذاقوا اليهود الغاصبين الخزي، والعار، ولم يشفع للعدو لا استخباراته، ولا مقدّراته في أن يمنع من هم كمثل طيور أبابيل، نزلت من السماء، وجعلت المستوطنين يفرّون فرار الأرانب والجرذان، وظهر عليهم آثار معنى قوله تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} الآية.
وظهر مما حدث أنّ قوة القوم المزعومة من ضعفنا نحوهم، وأنّه متى كنّا أقوياء، أشداء، وأيدي رجالنا على الزناد فلا تخشى منهم عديد ولا عتاد.
ولا أجد ما أختم به مقالي، إلا أن أقول بارك الله بهؤلاء الرجال، الأفذاذ الذين علّموا العالم معنى الجهاد، والاستبسال، والعناد في استرداد الحق المغصوب، والأرض المسلوب، وكما نصر الله سبحانه، المسلمين في معارك كثيرة، وكانوا قلّة ضعفاء، بقدرته عزّ وجلّ اليوم وكل يوم أن ينصرهم، إن نصروه، ويرفع راية دينه الحق أن رفعوه، وما ذلك على الله بعزيز.
اللّهم انصر جنودك في فلسطين، وفي كل بلاد المسلمين وثبت أقدامهم وسدد رميَهم يا قوي يا متين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة