د.غنى عيواظة: دكتوراه في الفقه المقارن، محاضِرة جامعيّة شاركت في العديد من المؤتمرات الدّوليّة والنّدوات.
هذا مولد سيّد الأنام وعطره دائمُ السّلام
منذ ما يقارب خمسة عشر قرنًا، جاء نعيُك سيّدي رسول الله صلّى الله عليك وسلّم، في سورة النّصر، والتي سمّيت بسورة التّوديع، حيث قال الله سبحانه:
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.
فإذا كان النّعي لا يأتي إلّا على هيئة ذكر الانتصارات، والفتوحات التي أنجزتها في حياتك، للالتحاق بعدها بمن اشتاق قلبك إليه، الله جلّ في علاه، فأنّى لنا في ذكرى مولدك أن لا نعرض جمال دعوتك، وأنس حياتك بتلك الرّحمة الإنسانيّة والفيض الإلهيّ على روحك الطّاهرة .
فهل نبدأ بالحديث عن خلق التّقوى، والخشوع الذي دأبتَ أن تزرعه في نفسك قبل البعثة، شابًّا فتيًّا تاركًا لشهوات الدّنيا، باحثًا عن عبور روحيّ نحو خالق هذا الكون، فاجتهدت أن تعتكف وتتحنّث اللّيالي ذوات العدد، لا ليلة ولا اثنتين، ولا في مسجد ذات تكييف وبرودة تقيك من حرّ شمس صحراء مكّة، بل في غار شهد أجمل لقطة، أصِفُها بالملائكيّة الإنسانيّة، هي لحظة التقائك بجبريل عليه السّلام.
أفأهنّئك لهذا المقام واللّقيا برسول الله إليك، أم هي البشرى لجبريل عليه السّلام، أن يحمل تبليغ مولاه ربّنا الله لسيّد الخلق والأنام عليه الصّلاة والسّلام؟
لا أدري إن سُمِح لي أن أتكلّم عن المشاعر في تلك اللّحظة الراقية؟ لكنّني أعبّر عنها فيما روته لنا كتب السّيَر من اندفاعك نحو ملاذك الآمن خديجة رضي الله عنها هاتفًا: "زمّلوني زمّلوني".
وبدورها ارتأت لك ملاذًا آمنًا هو ابن عمّها ورقة بن نوفل، والذي أجابك بعد سماع ما جرى لك قائلًا: "هذا النّاموس الذي أنزل على موسى. يا ليتني فيها جذعًا. يا ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله: "أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟ "قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلا عُوْدِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرا".
فلا لضياع الإحساس بالأمان في ظلّ لقاء جبريل عليه السّلام، حاملَ الفوح الربّانيّ لعطر النّبوّة، بل لإدراكك كُنهَ ما أسرّه إليك حينها أنّك رسول الله.
فأنّى لفؤادك لا يرتجف لهذا الشّرف والتّكليف بحمل الأمانة الرّبّانيّ.
ولم يكن جذعك أقلّ حين أخبرك ابن نوفل بإخراج قومك لك، فلقد نطق ذاك المحبّ الحكيم بالحقّ، وهو على دين الحقّ لعيسى عليه السّلام.
فكيف لا ننطق به ونحن اليوم على دين محمّد بصدق!
كيف لا ننصرك ههنا حين أخرج القوم سنّتك من نفوسهم وأحلّوا الإلحاد مكانها ؟
حين سمحوا لبراثن النّسويّة الغربيّة والشّذوذ المجتزأ من تحت سابع أرض، فالأرض تأبى الفساد والإفساد ولا ترضى إلّا الإذعان للخالق، فرفضت قبلهم قوم لوط وارتجفت بهم وخسفت بدورهم عاليها سافلها ملحقة الدّمار بمن طلب الكفر والعار .
أرسى الله على يديك، ومن خلال شريعة الإسلام، انتصار الدّين للمرأة وإنصاف المولى للأنثى، وليدةً، بنتًا، أختًا، أمًّا، زوجةً، عمّةً، وخالة، وسوى ذلك، أوَ ينكر البشر ما نزل من الحقّ من عند فاطر السّموات والأرض ليأتونا بإنصافٍ، ما بلغ نصفَ ولا مُدّ الشّريعة الإسلاميّة؟
فأرادوها نسويّة وأرادها الله أنثى حيِيّة من جنس حواء أمّ البشريّة.
وما زالت الاجتماعات تعقد والأموال تدفع للإقناع بالانتساب إلى منظّماتهم وحركاتهم.
أمّا عن الإسلام فبإرساء بذور الإيمان، والعقيدة في القلوب تلهج الألسن مندفعةً بـ لا إله إلا الله محمّد رسول الله، دون مال أو رشوة أو إغراء يذكر.
فمن كان من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، اليوم فليجدّد العهد للبقاء في أمّته.
ومن أراد هويّةً مزدوجة فالضّياع سيكون حاله؛ لأنّ خير جنسيّة أعطيَت للإنسانيّة هي أن تكون محمّديًّا كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ( آل عمران: ١١٠).
المصدر : أشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة