ولد في مدينة حلب من سورية عام 1370هـ الموافق 1951م، دخل كليّة الشريعة في جامعة دمشق عام /1969/م وتخرّج فيها عام /1974/ م. عمل إماماً وخطيباً في بعض المساجد في حلب، كما عمل في التعليم في بعض المدارس المتوسّطة والثانويّة التابعة لوزارة التربية . ثمّ عمل مدرّساً في الثانويّة الشرعيّة. بعد خروجه من سورية قدم إلى المملكة العربيّة السعوديّة بتاريخ 1403هـ، وعمل في مدارس الفلاح أحد عشر عاماً ، ثمّ تركها،
دروس عاجلة من طوفان الأقصى المُبارك!
الحمد للَّه وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله، ولا شيء بعده.. والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان اللهِ بكرة وأصيلاً..
وبعد؛ فهذه خطرات ومُذكّرات، ودروس عاجلة، حول ما جرى، ولا يزال يجري من طوفان الأقصى.!! وعسى أن تكون أبعاده اللاحقة وآثاره، على أعداء الله من الكافرين والمُنافقين أسوأ عليهم، من هذه البدايات المُبشّرة، ولمَصلحة أمّة الإسلام في كلّ مكان، ولله الأمر من قبل ومن بعد: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ (126)} [ آل عمران].
ما حدث أمس (السبت 22/03/1445 هـ المُوافق 07/10/2023م ) في غزّة وفلسطين المُحتلّة، كانَ حقّاً طوفاناً، وبركاناً وزلزالاً، فاجأ الجميعَ بضخامته ونوعه، وتخطيطه وإحكامه، وأذهل القريب قبل البعيد، ومرّغ هيبة دولة الاحتلال في التراب، وكشف خداعها وأكاذيبها. كان أشبه بالظاهرةِ الكونيّة منه بالجهدِ البشريّ، ولكنّ النكاية فيه أبلغ وأعظم عندما يكون بجهد بشريّ، يُعِدّ فيه الإنسان ويخطّط، ويجدّ ويجتهد على الرغم من كلّ الظروف الصعبة والإمكانات الضعيفة، وَالعدوّ الشرس المُتغطرس، ولكنّ الحقيقة المُطلقة تقول: {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف]، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال].
الصراع بين الحقّ والباطل، والخير والشرّ ماضٍ إلى يوم القيامة، وقائم حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.. لا يلغيه كيد الكائدين، ولا عبث العابثين، مهما حاولوا تشويه صورته وحقيقته، ومهما زيّنوا من زخرف القول، ومهما خدعوا الأجراء الأغبياء باتّفاقيّات ومعاهدات، هي في الحقيقة أسَدٌ من ورق، وحبر على ورق..
كان الأقصى يُدنّس برجس قطعان يهود صباح مساء منذ مدّة، وأمّة الإسلام مغلوبة على أمرها، مأسورة بيد جلاّديها، تنظر وتتحسّر، والمُرابطون طوبى لهم وهنيئاً هذا الشرف، إنّهم يدفعون الثمن، ولا يغلو على الأقصى ثمن. يقفون وحدهم في المَيدان كالجبال الراسخة، لم تلن لهم قناة، ولم تضعف لهم عزيمة، واليهود الأنجاس يتفنّنون في الغطرسة والظلم والعدوان، يحسبون أن قد خلا لهم المَيدان، بلا حسيب ولا رقيب..
لقد كانت الصورة في ظاهر الأمر قاتمة لا مخرج فيها من هذا النفق المُظلم، والمُنافقون مُبتهِجون يُهرولون إلى أعداء بكلّ حبّ بلا حياء، ويقدّمون لهم قرابين الولاء.. ولكنّ الله تعالى يأبى لدينه وأوليائه أن يتركهم لهذا الواقع المَهين، وهو القائل تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ...(179)} [آل عمران]. والقائل سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} [المجادلة].
وكلّ من سار على خطى المُرسلين بحقّ شمله هذا الوعد الكريم، إذا إذا أخلص لله تعالى في خطواته، وأحكم الأخذ بالأسباب على حسب استطاعته..
- إنّ الحقّ والخيرُ معقود بنواصي هذه الأمَّة وخيار أبنائها إلى قيام الساعة، بوعد نبيّهَا ﷺ؛ فلا تزال طائفة من أمَّته ظاهرين على الحقّ، لا يضرُّهم مَن خالفهم أو خذلهم حتّى يأتي أمر الله، وهم على ذلك.. وهذه معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ ظهور الشمس في رائعة النهار، تتجدّد على مرّ القرون والأجيال، ويكتب الله بها لدينه العزّ والتمكين في الأرض، على أيدي المُؤمنين الصادقين، مهما كانوا قلّة مستضعفين..
- ومن حكمة اللَّه تعالى في هذا الصراع: أن يمحّص النفوس، ويميز الصفوف، ويكشف معادنَ الناس وَخفاياهم، ويميز الخبيث من الطيّب، ويفضح المُنافقين.. ويصطفي الله من عباده الشهداء، الذين يوقدون بدمائهم مشاعل الطريق لمَن بعدهم.
- طُوفانُ الأقصَى حمل رسائل عديدة لأمّة الإسلام، وَلأمم الأرض كلّها، بشعوبها وقادتها، وأحرارها وعبيدها، وظالمِيها ومظلوميها.. فلا عجب أن كان حقّاً طوفاناً وزلزالاً، يأتي على أصول الباطل فيشتّت شمله، ويدمّر طغيانه، ويزلزل كيانه وأركانه، ويحرق قلوب المُنافقين الشامتين، المُتربّصين بالمُؤمنين الدوائر: {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6)} [الفتح]. ويَهزّ الغَافلين الواهنين، الراكنين إلى الدنيا المُنهزمين، لعلّهم يصحون على أمرهم، ويعتبرون بما يرون من بشائر الحقّ، ويَعمَلونَ ويجدّون، ويعيدون النظر فيما هم فيه تائهون غارقون، ولأمثال هؤلاء قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ القَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104)} [النساء]. واستنهض هممهم للجهاد والبذل والتضحية في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى..
- طُوفانُ الأقصَى أعاد الأمّة إلى واجهة الصراع الحضاريّ بينها وبين الغرب المَادّيّ.. الصراع الذي يراد له أن يُطمس بأكاذيب الباطل، وأساليب مكره وخداعه، لتَبقى الأمّة أسيرة مستضعفة، تستجرّ إلى مستنقع الغرب ومتاهاته، وترّهاته وأسباب انهياره، وإلى هاوية الانحلال والهلاك التي ينحدر إليها، فتفقد الأمّة هوّيّتها وانتماءها، وتَبقى ضائعة مُستعبدة، تلهث وراءه في كلّ شأن من شؤونها..
- إنّ الجهاد بلا ريب هو قدر الأمّة للعزّة والكرامة، والمَجد والسيادة، وهو في بيت المَقدس وأكنافه من الأرض المُباركة عنوان هذا الصراع بيننا وبين الغرب، ورأس الحربة فيه، وهو يختزل علاقتنا بهم، فلتصح الأمّة على أمرها، ولتعرف قضيّتها المِحوريّة الكبرى وبوصلتها، فلا تنحرفَ عنها يمنة أو يسرة، ولا تخدع برايات واهمة كاذبة..
- وإنّ أخوف ما يخاف الغرب من هذه الأمّة أن تنبعث فيها روح الجهاد الحقّ من جديد، بعد أن عملوا قروناً على تشويه هذه الروح وإضعافها، وحاولوا إخمادها..
- طُوفانُ الأقصَى علّمنا أنّ حقائق الإسلام، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله تعالى عصيّة على تسلّق المُنافقين، واختراق الأدعياء المُتاجرين، مهما ملكوا من أسباب وإمكانات وأساليب.. فدين الله جلّ وعلا أعزّ وأجلّ من أن يُتّخذ مَطيّة للخونة أهل الأهواء، الطاعنين للأمّة بظهرها، المُتآمرين عليها مع أعدائها.. وذلك مرهون بوعي أهل الحقّ، وإخلاصهم لله في التمسّك بالحقّ والدفاع عنه..
- والرسالة الواضحة الجليّة لأهلنا في سورية، المُخلصين الصادقين أن قد استبان لكم سبيل العزّة والنصر، وجلّى الله لكم الحقّ بطُوفان الأقصَى أجلى بيان.. فأعيدوا النظر في أنفسكم، ومواقفكم، وعلاقاتكم، وخطط عملكم وتحرّكاتكم في ثورتكم، وقوّموا أوضاع جهادكم بما تبدّى لكم من ثمرات التخطيط الدقيق، والإعداد الصادق، وإحكام الأسباب، وعلى رأس ذلك وحدة الصفّ واجتماعُ الكلمة: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 35].
وبعد؛ فماذا نملك لنصرة إخواننا في فلسطين، وأهل غزّة.؟!
- نملك كلمة الحقّ أن نجهر بها، ونعلنها في كلّ مكان، وعلى كلّ منبر، الكلمة الحرّة الصادقة، التي تنصر الحقّ، وتخذل الباطل..
- ونَملِكُ التعريف والتوعية لأهلنا، وأبنائنا وإخواننا، بهذه القضيّة، التي كادت أن تصبح منسيّة..
- ونَملِكُ سلاح الدعاء لله تعالى في الليل والنهار، بضراعة المُؤمن، وتذلّله لله تعالى واضطراره، الذي يغار على إخوانه المُؤمنين كما يغار على أهله وحرماته.. وكلّ منّا سيسأله الله تعالى، ويحاسبه على حسب قدرته واستطاعته.. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7)} [محمّد].
«اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الكِتَابِ، مُجْرِيَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ: اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ»، وانصرنا عليهم، والطف بعبادك المُستضعفين في سورية وكلّ مكان، وأغثهم بعونك ورحماتك. يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ بِسَطوةِ جَبَرُوتِ قَهرِكَ، وبسرعَةٓ إغاثَةِ نَصركَ، وبغيرتكَ لانتهَاكِ حرمَاتكَ، عَليكَ بجميع الطغاة المُجرمين وجُندِهِم وأعوانهم فإنَّهُم لا يُعجِزونَكَ، اللَّهُمَّ فرّقهُم تَفريقَاً، ومَزقهُم تَمزيقاً. اللَّهُمَّ أحصِهم عَدَدَاً واقتُلهُم بِدَدَاً، ولَا تُغَادِر مِنهُم أحَدَاً .
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن لا تجعل للكافرين والمُنافقين على المُؤمنين والمُجاهدين سبيلاً.. اللهم إنّا نشكو إليك ضعف قوّتنا، وقلّة حيلتنا، وهواننا على الناس.. اللهم ارفع علم الجهاد، واقهر أهل الكفر والفسق والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد، واجعلها بلاغاً للحاضر والباد...
اللهم انصر عبادك المُجاهدين في سورية وفلسطين، وسدّد ضرباتهم، ومكّن لهم في أرضهم تمكيناً، وثبّت أقدامهم، وأنزل السكينة على قلوبهم، وكن لهم ناصراً ومعيناً، وأيّدهم بالمَلائكة تقاتل معهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، يا ذا القوّة المَتين، برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم اهزم عدوّهم شرّ هزيمة، وفرّق جمعهم، وألق الرعب في قلوبهم، وشلّ أطرافهم، واخذلهم خذلاناً مبيناً، ودمّر عليهم أموالهم تدميراً.. وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله أوّلاً وآخراً..
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن