طوفان الأقصى يعرّي وجوهَ المنافقين
في الوقتِ الذي كادتْ القلوبُ فيه أن تبلغَ الحناجر من هَول المشاهد الدامية التي نُقلت من مستشفى المعمداني في غزّة الأبيّة، بعد أنْ دمّره الاحتلال الغاصب اللعين، فمزّق أجسام المئات من المرضى واللاجئين إليه المحتمين به أشلاءً متناثرة بما يتنافى مع المشاعر الإنسانية، في هذا الوقت كان أحرارُ العالم يتحرّقون غضباً أمام الشاشات، ينتظرون موقفاً يُسكّن ضجيج النفس، ويهدّئُ زفرات الروح.
وربما كانوا ينتظرون صيحةً تهزّ الأرض، فتجتمعُ الجيوش وتتأهّب للانتقام، أو تندبُ الناسَ للخروج إلى المظاهرات، وتحثّ قادةَ العالم إلى طرد سفراء هذا الكيان النشاز اللعين على أقلّ تقدير.
في هذا الوقت انبرى حاكمُ كولومبيا (غوستافو بيترو) واقفاً بشهامة ليعلنَ دعمَه الكامل لفلسطين، قائلاً بالفم الملآن: إنّ حكومة الكيان الصهيوني نازيّةٌ، ترتكب الإبادة الجماعية بحق أهل غزة، وإنَّ بلاده لا يشرّفها بقاءُ السفير الصهيوني على أرضه!!
وفي المقابل كانت سُحُب الذّلِ تُخيّم على معظم قادة العرب والمسلمين، فتربطُ ألسنتَهم عن الكلام، سوى ما قيل عن ضبط النفس والدعوة إلى السلام الذليل... وما أصدقَ تصويرَ الشاعر لهم في قوله:
ومن يَهُنْ يَسهُلُ الهَوانُ عليهِ ** ما لِجُرح بميّتٍ إيلامُ
وفي البحث عن موقفٍ مشرّف هنا أو كلمةِ حقّ هناك، تمخّضَ الجبلُ فأنجبَ فأراً، فقد خرجَ للعلن موقفٌ من الخسّةِ في أدنى مكان، حيث اقترح أحدُهم تهجيرَ أهلِ غزّة أصحابِ الأرض إلى صحراء النّقب ليُسجَنوا في الخِيَم، ويتكفّفوا مَن هجّرهم، ويتوسّلوا مساعدتهم وإطعامهم!!!
ثم زاد في العجب أنِ اقترحَ أيضاً على الكيان اللعين تصفيةَ المجاهدين في فلسطين، علمًا أن الذين يقاتلون منهم في سبيل الله على منهج النبوّة هم شرف الأمّة والطائفة المنصورة إن شاء الله تعالى التي تحدّث عنها رسول الله ﷺ في قوله" : لاتزال طائفةٌ من أُمتي على الدِّين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يَضرُّهم مَن خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكنافِ بيت المقدس" أخرجه أحمد والطبراني.
ألا يا لَه من طوفان! دفعَ بأمواجه ليُغرق هيبةَ الكيان الوحشي ويدسَّ أنفَه في التراب، وقد فعل. وفضح وجوه المنافقين الذين ادّعَوْا للأمس القريب تبنّي القضية الفلسطينيّة والدفاع عنها، وقد فعل، وكشف أن سيلان اللُّعاب على كرسي السلطة يورث صاحبَه تبعيّة مُذِلّة لا يُرفع معها الرأس، ويَعزّ معها الذَّود عن حِياض الإسلام والعروبة، بل يَعجز بسببها التابعُ المذَلُّ أن يدافع عن قضايا الناس المحقّة، كما دافع رئيس كولومبيا.
آسفين أن نتمثّل بموقفه المشرّف بدل التمثّل بموقف وجرأة وشهامة حاكم بلدٍ من بلاد العرب والمسلمين من بني جِلدتنا!.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة