يا أبا عبيدة.. جاهد بالسنن!!
نعم، اِجلسْ في زاوية الجامع، وعلّمْ "أمّة غزّة" السنن ليحفظوها دون فقهٍ ولا عمل، لتبقى حبيسة الصدور والبيوت والمساجد.. أنفع لك ولهم من الجهاد بالسيوف.. واتركوا الصهاينة يسرحون ويمرحون في فلسطين، وانعموا معاً بالسلام جنباً إلى جنب!!!
علمهم العقيدة يا أبا عبيدة.. تماماً كما تعلمناها نحن، وحفّظهم متونها.. ورددوها معاً كالببغاوات، كما رددناها!
يا أبا عبيدة علم نساء غزَّة الحجاب الشرعي.. ألا ترى كيف يخرجن من تحت الأنقاض بلا حجاب ولا ستر؟ ألا تشاهد نسوة غزَّة يمشين في أسواقها المهدمة بثياب شبه عارية؟ نعم علمهن وفقّههن!!
إنك تعرّينا.. فلا تُحرجنا أكثر.. ألا تخجل يا أبا عبيدة؟!
يا أبا عبيدة.. جهادك يغيظنا!
قد جثا الكثير منّا على الركب بين يدي أعدائهم.. فلماذا تُتعب نفسك يا أبا عبيدة:
املأ حساباتك البنكية بالأخضر، وعش حياتك كما نعيشها واصمت صمتنا.. وتخاذل تخاذلنا..
يا أبا عبيدة.. اقعد وإخوانك مع القاعدين!
وإن شئت جاهد.. في الغرف المكيفة وخلف الشاشات.. تماماً كجهادنا!!
يا أبا عبيدة.. جاهدهم بالتطبيع.. وباتفاقيات الذل والاستسلام.. وبالتنسيق الأمني..
ولكن مهلاً.. حافظ على الضحى والرواتب والاثنين والخميس والأيام البيض وقيام الليل.. أجل.. ولا تنس القيام لتدعو الله أن يحفظ بلادنا مما ابتلاكم به.. وبطريقك ادع على الصهاينة سراً.. فإنهم أبناء عمومتنا، ومصالحنا واحدة!!
والآن..
سأجيبك عن أبي عبيدة..
يا مسكين.. أشفق عليك وعلى أمثالك ممن فَهموا الدين فَهمك، وجعلوه مطية لمنافعهم، ووظفوه للدنيا لا للآخرة!!
بدايةً، إنّ لثام أبي عبيدة.. يا من استهزأتَ به، أشرف من أكبر عِمة ممن حَرّف أصحابها الدين وفصّلوه على مقاساتهم وفصَلوه عن واقع الحياة وعمارة الأرض وإعلاء كلمة الله، وقيادة العالم بعقيدة التوحيد! نعم يا هذا.. التوحيد.. ذلك الذي اختلط بشغاف قلوبهم، وأيقنته عقولهم، وصدّقه سلوكهم.. ذلك الذي عاشوه واقعاً، وعشتَه حفظاً من غير فهم ولا عمل.. فصدقوا الله.. فاختارهم الله.. وأيدهم ونصرهم وصدقهم..
إنّ أبا عبيدة وإخوانه جاهدوا بالسنن حقاً، وفهموها تماماً كما فهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
إنهم تعلموا من سُنة رسول الله وفي مدرسته: "... وتركتم الجهادَ، سَلَّطَ الله عليكم ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حتى تَرجِعُوا إلى دِينِكُمْ..."، وهم صدقوا كلامه صلى الله عليه وسلم، وشاهدوا مصداقه فيكم، يا من تنهَون الأمة عن جهاد أعداء الله، مُضِلّي العباد سارقي الأوطان، فأُذللتم!
في حين رفع الله أبا عبيدة وإخوانه بالجهاد..
إنهم تعلموا من سُنة رسول الله وفي مدرسته قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) فآمنوا وجاهدوا بأغلى وأنفس ما وهبهم الله.. تاجروا مع الله فربح بيعهم.. فقل لي بربك مع من تاجرتم وبعتم واشتريتم.. فخسر والله بيعكم خسراناً نعيش طاماته في واقع حياتنا!
لقد فقهوا قول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ..)؛ فقاموا للإعداد، ويا زَيْن ما أعدوا.. وأرهبوا، وما أشد وَقْع إرهابهم لأعدائهم.. فها هم جنود الاحتلال المدججين بكل أنواع الأسلحة والآليات تصرخ رهبة وخوفاً تحت ضربات المجاهدين في ميادين القتال.. اسأل أبا عُبيدة عن مسافات الصفر التي أبدعوها.. قد جعلوا للصفر قيمة مرهِبة، بينما قعدتم على الشمال أصفاراً بلا معنى، فها أنتم ترتجف قلوبكم وترتعد أوصالكم من الصهاينة، قد صدق فيكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم...".
فماذا أعددتَ أنت وأمثالك غير التنظير والتطبيل؟ ماذا أعدَدتم غير المراقص والمقامر والتجارة البوار وتحالفات الذل والعار... فيا شَيْن ما أعدَدْتم!
أيها المستهزئ بالملثم، المتفيقه، المتعالم على أهل غزة.. ألم تتابع الإبادة الجماعية، وتعاين أهلنا خارجين من بين الجراح والفَقد والأنقاض راضين محتسبين صابرين ثابتين متحدّين المحتل: نِدّاً بنِد؟ هل تعلم أن هذا ثمرة توحيدهم بالله؟ اذهب أنت وأشباهك لتتعلموا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين في مدرسة غزة..
نعم، إن أبناء غزَّة هم أساتذة العالم..
أتدري أن العالم يعيش اليوم تحولات جذرية في المفاهيم بسبب إيمان أهل غزَّة وثباتهم؟ الغربيون مندهشون من "حَمْد" أهل غزَّة لله بعد كل مصاب، تجد الكثير منهم باكين متأثرين مناصرين باحثين في أعماق هذا الدين الذي صنع هذا الشعب فطرح هذا النِّتاج.. قد أقبل الناس على دين الله أفواجاً بسبب توحيد أهل غزة.. اذهب فتعلم التوحيد من نساء غزة.. نعم.. قد أرضعنه لأبنائهن مع الحليب.. وحكينَه لأطفالهن في حكايا المساء.. ونشّأنهم عليه حتى انعقدت عليه قلوبهم، وتحركوا به في دقائق حياتهم.
أتدري أن معركة طوفان الأقصى، التي أدهشت بل أعجزت وأغاظت القريب والبعيد، قد أربكت الدول الكبرى، وأرعبتها، فأجمعوا جميعاً على ضرورة التخلص من مبدعيها، وانكب أهل الاختصاص منهم يدرسون ويحللون ويحاولون تفكيك العبقرية التي أوصلت هذه الثلة المؤمنة إلى هذا الفعل المشرف واليوم المجيد.. فبدل التنظير على أهل الميدان.. اذهبوا وتتلمذوا على أيدي هؤلاء الأبطال: أشرف الناس.. لعلكم تتعلمون لغة القوة، ومعها معاني العزة والكرامة.. والحرية..
أما بعد، فإن الله قد كفى أهل غزَّة الذل الذي تعيشه بلداننا بسبب تسلط أذل الناس على رقابها، ولن تقوم لها قائمة، ولن يرتفع شأنها إلا بإعادة هذا الدين إلى واقع الحياة وموقع الصدارة، إلا بإدخاله مناهج التعليم عملاً، وعدم الاكتفاء بالآيات والمتون حفظاً! إن الحُفاظ في عالمنا كثر، فكم نسبة المتحركين بالقرآن حقاً؟ فنبينا كان خلقه القرآن، وصحابتنا الكرام كانوا مصاحف تمشي على الأرض..
هذا، وقد آن أوان فضح كل شيخ لا يصدح بكلمة الحق، ونبذه ومحاصرته بكل وسيلة مشروعة، إما أن يؤوب إلى الله، أو يذهب إلى مزبلة التاريخ، ويشار إليه بالبنان حياً وميتاً: هذا الذي طبل للذين خذلوا الدين وباعوا الأوطان!
فيا هذا.. إن لم يسَعك فَهمك، فليسَعك صمتك.. أليس في سنة نبينا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"؟
أما أهل غزة، فسيكفيهم الله.. وسيؤتيهم من فضله إحدى الحُسنيَيْن: النصر أو الشهادة.
والسلام...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
رسالة إلى طلّابنا الأعزّاء
إلصاق الإرهاب بالإسلام.. تحقّقٌ وجواب!
اضطراب هوس الاكتناز القهري
ابتسامة رضا
وقفات قافية.. مع السيرة النبويّة