هل تظنُّون؟!
سعيتُ إلى ذِكر الله يومَ جمعة، وكنت مؤتمًّا بإمامٍ أُجِلُّ قَدْرَه، فتلا إمامُنا مطلعَ سورة الصفِّ بعد أن جال في خُطبته في قلوب المصلِّين فملأها حماسًا لنصرة دین الله - كلٌّ بوُسْعِه - حتى إذا شرع في تلاوة قول الله تعالى: {إنّ الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنَّهم بنيانٌ مرصوص}، لم يَتْلُ {صفًّا}، فاستُدْرِك عليه، فلمّا قُضِيَتِ الصلاة بدا لي جلالُ تلك الكلمة، وعظیمُ حُسْنِ موقعها، فمع أنّ الذين يقاتلون، إنّما يقاتلون إيمانًا بالله وإعلاءً لكلمته، كان لا بدَّ لهم من رصِّ صفِّهم، ووحدة كلمتهم، وائتلاف قلوبهم، فإنّ أيَّ خرق في صفِّهم - ولو كان يسيرًا - يهدم بنيانهم بأكمله!
بعدها أنزلتُ ذلك واقعًا على حالنا: إنّه ليس خرقًا في الصفِّ يسيرًا ولا عظيمًا يتَّسع على راقِعه، إنّه تفتُّت في لَبِناتِ البنيان نفسه، وهي - مع ذلك - قد صُفَّتْ متباعدة!
نحن - وحالنا ما أسلفتُ - نريد حظوةً بحبِّ الله، وتأييدًا منه - سبحانه - ونصرًا مؤزَّرًا! لكنّ غالبيّة عظمى منّا لم تقاتل إيمانًا، بل لم تقاتل أصلًا؛ لا لإنسانيّة، أو أقلّه لعروبة، أو لوطنيّة، أو حتّى لفزعةٍ (نجدةٍ) جاهليّة !
إنّهم قوم عادَوْا (سبيلَ الله)، وحرَّضوا على مَن كان في سبيله، بل ربّما دعموا - سرًّا، أو جهرًا - قومًا اغتصبوا أرضًا، وشرَّدوا شعبًا، وسفكوا دمًا، وانتهكوا عِرضًا، طوال سبعة عقود ويزيد! وإِنْ تَعجبْ فَعَجَبٌ إشاعتُهم- بعد ذلك - أنّهم هم أهل الدّين الحنيف، وممثِّلو الشَّريعة السَّمحة، وسادة الاعتدال، ودعاة السلام العادل!
صفٌّ مفتَّت، وبنیان متهاوٍ؛ كلٌّ فيه يدندن - صبحَ مساء – بالتحرير، والتحرير منهم براء، فكلٌّ يعادي جاره، بل يعادي شعبه؛ صفُّوا جيوشًا وكدَّسوا عتادًا عقوداً من الزمن، حتّى إذا آن أوان التحرير لم يحرِّروا طلقة من بنادقهم، ولم يأذنوا لجندي من جنودهم بمواجهة إلّا مَن أراد التحرير!
لهؤلاء نقول: الثور الأبيض أُكِل في نكبة فلسطين، والأحمر يؤكل الآن، فهل تظنُّون أنّ أسدًا افترسهما سيَدَعُ ثورًا أسودَ يعلفه عدوُّه الآن ليفترسه غدًا؟!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة