ماذا يعني انتصار ثورة أهل الشام؟!
يقول الله تعالى: {كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21]. ويقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51].
حمدًا لك يا ربّ وشكرًا.. حمدًا لك وحدك، حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، كما تحبّ وترضى، وكما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، سبحَانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كمَا أثنيت على نفسكَ.. أنجزت وعدك، ونصرت عبدك، وهزمت الأحزاب وحدك، لا شيء قبلك، ولا شيء بعدك..
أيُّ فضل أعظم علينا من هذا الفضل بهذا الانتصار؟! وما حقيقته التي أبهرت العالم كلّه، بعد هذه السنين العجاف، والبلاء الذي ما بعده من بلاء؟! جرى وكأنّه حلم من الأحلام، وبغير شلاّل من الدمَاء، كما كنّا نتوقّع ويتوقّع الناس!!
إنَّه انتصار الحقّ على الباطل، والحبّ على الحقد، والرحمة على الكراهيّة، والعَدل على الظلم، والتسامح على الطغيان والعدوان، وكرامة الإنسان على وحشيّة الحيوان..
إنَّه انتصار منهج الإسلام وسموّه وقِيَمِه على بَغْي الجاهليّة وهمجيّتها وانحطاطها.. وانتصار كلمة الله العليا على حميّة الجاهليّة وكلمتها التي هي السفلى، كما كتب الله لها..
إنَّه انتصار الإيمان الصادق على الكذب والزيف والنفاق، إنَّه انتصار الذين يحملون قيم الحقّ والخير والجمال، وكلّ ما فيها من القيم النبيلة، التي ذكرنا بعضها، وما يشبهها في كلّ أرجاء الأرض.. على انحطاط أهل الباطل، ومن وقف معهم وشايعهم، أو سكت عنهم، أو رضي عن أفعالهم، وبرّر لهم..
إنَّه انتصار المُستضعفين في كلّ الأرض على قوى الظلم والبغي والعدوان العالميّة، التي وقفت سرًّا وجهرًا مع المُجرم، وحرّضته علينا، أو دافعت عنه، أو سكتت على إفساده في الأرض وإجرامه..
إنَّه انتصار هذا الشعار الإيمانيّ الذي انطلق من حناجر أهل الشام من أوّل يوم، وفي كلّ مناسبة: «يا الله.! ما لنا غيرك يا الله.!»، وازدادوا تعلّقًا به وصدقًا مع اشتداد الظلم والقهر والبلاء، وكان لهم سلوة عن كلّ مصيبة، وتثبيتًا في كلّ بلاء..
إنَّه انتصار إرادة الله تعالى ووعده على تخويف الشيطان وجنده: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:5ــ6].
إنَّه انتصار على تخذيل الأقربين، الذين كان يظنّ بهم العون والنصرة لأهلهم وإخوانهم، فقرّعوهم بألسنة حداد على ما نهضوا به من جهاد، ومنهم من وقف مع المُجرم، يشدّ من أزره، ويؤيّد مواقفه، ويبرّر له، وكان أولى بهم إذْ عجزوا عن قول الحقّ ونصرته أنْ يلزموا الصمتَ، ولا يكونوا في صفّ الباطل، ومحسوبين من أعوانه وجنده..
إنَّ انتصار أهل الشام، الذي طال البلاء فيه أكثر من ستّين سنة كان صورة رائعة، وقبسًا مُنيرًا من سيرة النبيّ ﷺ وحياته الشريفة وجهاده.. والتي نرى الحديث عنها مبثوثًا في كتاب الله تعالى في مناسبات متنوّعة، منها قول الله تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال:26]، وقوله سبحانه: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ المَصِيرُ} [النور:55ــ57].
إنَّ انتصار أهل الشام ليْسَ انتصارًا لهم فحسب، بل إنّه انتصار لأمّة الإسلام في كلّ أرجاء الأرض، وانتصار للمَظلومين المُستضعفين من المُؤمنين، وإحياء للأمل في قلوبهم بنصر الله تعالى القَريْب، وفرجه العاجل.. لقد كانت أنظار المُسلمين في العالم مُتعلّقة بسورية وشعبها، وما تمرّ به من أوضاع مَأساويّة تعيشها، فلا عجب عندما حدث هذا الفتح المُبين والانتصار الكبير أنْ تعمّ الفرحة الأمّة من أدناها إلى أقصاها.
وهو انتصار للإنسانيّة الحرّة الكريمة، ولأحرار العالم، الذين وقفوا مع شعبنا بكلّ الوسائل والأساليب، ومنهم من قتل على ثرى سورية، وهو يسعف جرحاها، ويداوي مرضاها.. انتصارًا للحرّيّة والكرامة الإنسانيّة.. وقد رأينا فرحة الأمَّة الإسلاميّة وأحرار الإنسانيّة لا تقلّ عن فرحة أهل سوريّة، ممّا ضاعف فرحتنا وزادها..
إنَّه انتصار على الخرافة والأكاذيب، والاتّهامات الباطلة، التي روّجها نظام الإجرام وسوّقها في العالم كلّه، أنَّ الثائرين بوجهه إرهابيّون مجرمون، حتّى خدع بذلك السذّج وأنصاف المُثقّفين، الذين انساقوا وراء رواياته ودعاياته الكاذبة..
وعلى قدر الفرج بعد شدّة الابتلاء تكون الفرحة أكبر وأعظم، وأعلى وأتمّ.. والسوريّون قد ابتلوا أعظم البلاء، وذاقوا كلّ أنواعه وألوانه؛ من الاعتقال التعسّفي، إلى التغييب في السجون السنين الطويلة، والإعدامات بلا حساب، وإخفاء الجثث وتغييبها، والكذب على أهالي المُعتقلين وابتزازهم لدفع الأموال الطائلة.. إلى القتل بالبراميل المُتفجّرة والغاز الكيماويّ، إلى الابتزاز المَاليّ مقابل أدنى الحقوق، إلى التهجير من الأوطان والديار، إلى الحصار والتجويع، والحرمان من أدنى مقوّمات الحياة، إلى حواجز الرعب والتخويف، وإذلال الناس فيها صباح مساء.. وكم تشابه حال الناس في سورية مع وصف اللَّه تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}[البقرة:214]. وقد قالها كثير من الناس سرًّا وجهرًا، وضيقًا بالحياة وقلّة صبر على الابتلاء..!!
ولا غرابة أن يسقط بعض الناس في امتحان هذا الابتلاء الشديد، وكذلك الأمر في كلّ ابتلاء؛ فمنهم من افتُتِن عن دينه، ومنهم من شكّك بوعد الله تعالى، ومنهم تخلّى عن الثورة، وقبل كلّ اتّهام وافتراء عليها، وأنحى باللائمة الشديدة على الضحيّة، وسكت عن الجلاّد.. ومنهم.. ومنهم.. والثبات على الحقّ محض فضل الله تعالى وتوفيقه: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58].
وأيُّ فضل ورحمة أعظم من فضل الله تعالى ورحمته بهذا الفتح المُبين، الذي كسر الله به شوكة الباطل كسرًا كبيرًا، ودمّر دولته تدميرًا، وهدم بنيان ظلمه وطغيانه في أحد عشر يومًا، وما تبع ذلك من كسر شوكة ميليشيات الفجرة المُجرمين، الذين استقدمهم من كلّ مكان، ففعلوا الأفاعيل بأرضنا وشعبنا، وما عملوا عليه من إفساد في عشرات السنين هدمه الله تعالى عليهم في أيّام معدودات، فولّوا الأدبار كالجرذان..
إنّه نصر الله الغالب: {إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ المُؤْمِنُونَ}[آل عمران:160].. ألا إنّها عناية الله جلّ وعلا بالشام وأهله: {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[يوسف:21]..
اللهم أتمَّ علينا نعمَتكَ، واحفظها علينا بذكرك وشكركَ وحسن عبادتك، وزدنا مِن فضلِكَ وجودك وَإحسَانك، واجعلنا نقوم بالأمانة على أحسن وجه يرضيك عَنّا، واجعلنا هُداة مُهتدين، غيرَ ضالّينَ ولا مُضلّينَ، سِلمًا لأولِيائك، وحَربًا على أعدائك، نحبّ بحبّكَ مَن أحبّكَ، ونُعَادي بعَداوتكَ مَن خالفَكَ..
وصلّى اللَّهُ وسلّم وبارك على عبده ونبيّه سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
الكلمات الدالة : انتصار الشام ثورة منهج الإسلام الإيمان الصادق استخلاف تحرير العباد النفس الحكم العادل سوريا
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
ماذا يعني انتصار ثورة أهل الشام؟!
تحرير العباد.. من التقليد في الأعياد!
رجلٌ من أقصى المدينة.. يسعى!
هرطقة اللّغات السّاميّة
القول الفصل.. بين الظلم والعدل!