ميدانك الأول
نبيل جلهوم
سيدي، دعنا يصارِح كل منا نفسَه:
أليس من الصحيح أنَّ نفسي ونفسك، إن كنا أنا وأنت عليها قادرين فسنكون على غيرها أقدر؟
نفسي ونفسك، إن أصلحناها أنا وأنت أولاً، أعاننا الله على إصلاح غيرها من الأنفس.
نفسي ونفسك، إن طهَّرناها أولاً، أعاننا اللهُ وأخذ بأيدينا على تطهير غيرها من الأنفس.
نفسي ونفسك، إن هذَّبناها أولاً، أعاننا الله على تهذيب غيرها
نفسي ونفسك، إن شددنا الحسابَ عليها فلم نترك لها مجالاً ولا فرصة أن تتعالى أو تتكبَّر أو تتغطرس، استطعنا حقًّا أن نملك أزمَّة قلوب الناس ونأسرها أسرًا.
نفسي ونفسك، إن عالجنا أولاً أمراضَ روحها، أعاننا الله على علاج أرواح غيرها
نفسي ونفسك، إن وبّخناها وهذَّبناها، أعاننا الله على الأخذ بيد غيرها.
نفسي ونفسك، إذا انفردنا بها وخلونا مع ربِّنا، صَفَت وراقَت وارتقت، وشُفيَت وتهذَّبَت وترتبت وتهندمَت، وصارت نفسًا ربَّانية شفافة رقراقة.
ولصار كلٌّ منَّا - أنا وأنت، بفضلٍ من ربنا - نورًا يمشي بين الناس على الأرض.
نورًا يمشي حتى إذا رآنا الآخرون رأوا معنا وفينا الخيرَ كله.
حتى إذا حضرنا سعدوا بنا وتفاءلوا..
وإذا غبنا عنهم افتقدونا وتفقدونا..
لذا؛ حريٌّ بي وحري بك..
أن أنتبه أنا وتنتبه أنت.
نفسك ونفسي أولاً إذا أراد أنا وإذا أردتَ أنت الخيرَ لغيرها..
نفسكِ أولاً أيتها الزوجة المسلمة.. انتبهي لها جيدًا..
إن أصلحتِها لزوجكِ وصرتِ له صالحةً وخفتِ عليه وحفظتِ عهدَه وغيبته، ولم تجعلي لغيره في قلبك مساحة، وسررتِ قلبَهُ وحفظتِه بالغيب، وأطعتِه في الطاعات، وصمَمْتِ أذنك عن سماع مشاعر غيره من الرجال نحوكِ، أو كلمات الثناء منهم، والإطراب بشخصك؛ لِتميُّزك أو مكانتك العلميَّة أو مركزك ووظيفتك، وقصرتِ كلَّ ذلك على زوجك رفيق دربك وجنَّتك ونارك...
انتبهي سيدتي الزوجة الصالحة..
والله لو فعلتِ ذلك لأصبح حريًّا ليس بزوجك وحده بل للدنيا كلها أن تفتخر بكِ كنموذج للمرأة الصَّالحة التي إذا نصحَت استُجيب لنصيحتها، وإذا تكلَّمَت أنصتَ الكلُّ لها؛ فهي التي على منهج الله قامَت، وعلى خُطى الحبيب سارَت، لو فعلتِ ذلك وكنتِ النموذج التربوي العملي للزوجات الصالحات، لانتفعَت الدنيا بكِ قبل أن يَنتفع زوجُك، وكيف لا تنتفع الدنيا بمثلك وأنتِ صاحبة نفس ربَّانية قالت وفعلت، نَصحت وبنصيحتها عملَت، أرشدت وترشدت؟
وأنتَ أيضًا أيها الزوج الصالح.. انتبه لنفسك أولاً.
إن أصلحتَها لزوجك وصرتَ لها الزوجَ الصالح المحب الذي يأبى ويمتنع أن تحتلَّ امرأةٌ غير زوجته مساحة - ولو صغيرةً - في قلبه، اعلم أنَّكَ إن أصلحتَ نفسك أولاً، وصمَمتَ أذنك عن سماع غير زوجتك، وغضضتَ بصرَك عن النَّظر إلا لزوجتك، وأوقفتَ قلمَك عن الكتابة في الحبِّ إلا لزوجتك، ووفَّرتَ وقتك لزوجتك، اعلم سيدي الزَّوج أنَّك لو فعلتَ ذلك لصرت حقًّا صالحًا بالفعل لا بالكلام والقول
نفسك قبل مهاراتك.
مهما كان أحدنا صاحب مهارات وتميُّز ويَظهر أمام الناس والعالَم بأسرِه جِهبذًا في تخصصه،
أو حاصلاً على الدكتوراهات والرسائل العلميَّة الدقيقة والنادرة..
أو نال أحدنا تكريمات وميداليات ذهبية وجوائز عالمية..
أو تصدَّرَ أحدنا المنتديات ومجالِس العلم وقاعات النقاشات والمؤتمرات..
أو ألَّف الكثيرَ من الكتب أو كَتَب العديدَ من المقالات.
أو كان أحدنا مفوَّهًا منظِّرًا مميَّزًا في الطَّرح والأسلوب..
أو كان قلم أحدنا يتقطَّر شَهدًا وعسلاً في وصاياه وتوجيهاته ومرئيَّاته.
أو كانت كلمات أحدنا وحروفه تدخل القلوب وتشقُّها شقًّا..
أو يتأثَّر بها المتأثِّرون، وبمضمونها وحروفها يعملون، وعلى جمال نهجها يستنيرون.
نفسي ونفسك أولاً..
فمهما كان سنِّي وسنُّك، وهيبتي وهيبتك، وحضوري البارِز وحضورك..
ومهما قالوا عنِّي أو عنك، وذكروا وكرَّموا، ولاسمي أو اسمك في المحافل قد رفعوا..
ومهما كان ذلك كله وغيره من سِماتٍ ظاهرة توحي جميعُها بغزارة علمٍ أو متانة دين أو رجاحة فهمٍ أو جمال كلمات أو متانة عقيدة.
والله حتى لو تأثَّر الحجَر ممَّا أقوله أنا أو تقوله أنت للناس أو نكتبه إليهم.
فإنَّ ذلك كله إن كان مجاله لا يتعدَّى صندوق كلماتنا وصفحات كتاباتنا وأحبار أقلامنا..
ودون أن نمارسه عملاً وواقعًا على أنفسنا أولاً ونسقطه فعلاً وقولاً وحقيقة ووضوحًا وسلوكًا ومنهجًا على أنفسنا أولاً
إن لم يكن أنا ولم تكن أنت يتحرَّك أولاً بما يوجِّه به ويرشِد..
ويفعل عمليًّا ما يَنصح به ومن أجله يسعى ويتصدَّر..
والله مهما كنتَ مرفوعًا على الرؤوس، معلَّقة صورك في كل المجالس والبوستات.
مهما كنتَ تملك من مواهب لم يكن للآخرين منها حظٌّ ولا نصيب.
مهما كنتَ عالمًا وعَلَمًا وإليك البنان يشير ويتحرك..
ولم تكن أنت تمارس ما تقوله أو تصدِّره للناس من قِيَم ومفاهيم وحروف ومقالات..
فاعلم أنَّ كلَّ ذلك لن يتعدَّى صندوق حروفك وحيِّز كلماتك وصفحات كتاباتك..
فانتبه يا هذا من الأخطر؛ وهو أنَّك لا تدري هل سيَقبل اللهُ منك ذلك أو سيرفض؟
اللهمَّ ارزقنا الإخلاصَ في القول والعمل والكلمة، واجعلنا عمليِّين ناهضين بسلوكياتنا أولاً، ولأنفسنا أولاً مصلِحين ولها مهذِّبين واقبلنا يا مولانا بقبولك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ لا تجعلنا ممَّن قُلت عنهم: ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
ولا تجعلنا ممَّن قلتَ عنهم وفيهم: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
وصلِّ اللهم على نبينا محمد معلِّم الناس الخير، ومرشد العالمين لهدى أرحم الراحمين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة