حوار مع الإعلامية سهاد عكيلة
حوار خاص مع الكاتبة والإعلامية سهاد عكيلة حول نِقَاب المرأة المسلمة
يتشرف موقع جمعية الاتحاد الإسلامي بإجراء حوار مع الأخت الكاتبة والإعلامية سهاد عكيلة - وهي إحدى كاتبات الموقع – حول مسألة نقاب المرأة المسلمة، حيث تعيش الأخت سهاد في لبنان وترتدي النقاب منذ سنوات طويلة، وتمارس دورها الدعوي والإعلامي والوظيفي في بيئة يغلب عليها عدم الالتزام، مع وجود نظرة غير واضحة وغالباً جائرة تجاه مسألة النقاب، بسبب تشويهات وافتراءات التيارات العلمانية والمعادية للإسلام، مع تأثر بعض العاملين في الساحة الإسلامية والدعوية بضغط ذلك الواقع، لذلك كان هذا الحوار الصريح.
1- أختنا الكريمة: ما الدافع الذي جعلك تختارين لُبْس النقاب، وما الحكمة التي تظهر لك من ذلك من خلال تجربتك الشخصية؟
- بسم الله الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على البشير النذير، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد، فإن حجاب المرأة (وأقصد به كل ما يحجب مفاتن المرأة وزينتها عن الرجال من غير محارمها) له بُعدٌ إيمانيّ معنويّ سابقٌ على بُعده الماديّ الظاهر، فالمرأة تستر نفسها عبادة لله تعالى، تفعل ذلك حتى قبل أن تعرف الحكمة منه، لأنه ببساطة: أمرُ الله تعالى الذي قال في سورة الأحزاب، الآية 36: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)، ويزيد يقينها به إذا ما علمت الحكمة منه: فالحجاب بشكل عام إنما جُعِل لسدّ باب الفِتَن على كِلا الجنسين بما يحقّق للقلوب طهارتها، ويعين على غضِّ البصر، ويحفظ المجتمع من مزالق الشيطان وسبل الانحراف. فإذا ما علمت المرأة المسلمة - الملتزمة بتعاليم دينها- هدف الحجاب، سارعت إلى الالتزام به بأكمل صورة له، مبتعدة عن كل هيئة تفرِّغ حجابها من مضمونه وتُفقِده هدفه.
2- اختلفت المواقف حول ارتداء النقاب لدرجة أن بعض المعاصرين ذهبوا إلى اعتبار النقاب من العادات الاجتماعية ولا يندرج ضمن الأحكام الشرعية، فما رأيك في ذلك؟
- فيما يتعلّق باختلاف المواقف حياله أقول لكِ: المتفق عليه بين علماء المسلمين أن ستر وجه المرأة وكفّيها هو الأفضل والمستَحبّ، وأن النقاب يتأكد في زمن عمّت فيه الفتنة وانتشر الفُسّاق، وأصبحت المرأة لا تأمن على نفسها من النظرات المريبة (وهذا حاصلٌ فعلاً في زماننا ولا خلاف في ذلك عند أرباب العقول)، كما أنه واجبٌ - باتفاق - في حق المرأة الجميلة التي تُخشى فتنتها، ويحرم - باتفاق أيضاً - النظر إلى وجه المرأة أو إلى أي جزء من جسدها بشهوة. هذا ما اتفق عليه العلماء المعتبرون، ولن أقف عند خلاف العلماء في هذه المسألة فالشرح فيها يطول ولكلٍّ أدلته، ولكنني سأعلِّق على موقف مَن يعتبر بأن النقاب عادة اجتماعية، فأقول: بل إنه عبادة بدليل أن النساء في أفضل قرن (زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والصحابيات والتابعيات) كنّ يسترن وجوههنّ، وكل فِعل كان على عهد النبيّ وأقرّه صلى الله عليه وسلم يُعرَف بالسُنة التقريرية، والذي يطبِّق السُّنة بمختلف أقسامها إنما يقوم بعبادة. كما أنّ كبار الصحابة كأمثال ابن مسعود والسيدة عائشة وابن عباس (تُرجمان القرآن) رضي الله عنهم أجمعين قد فسّروا قول الله تعالى: (يُدْنين عليهنّ من جلابيبهنّ) بتغطية وجوههنّ.
3- كيف تستثمرين لبس النقاب والجلباب في حياتك العملية من الناحية الدعوية، وما الرسالة التي ترسلها المرأة المنقبة في هذا الزمان بلبسها النقاب في مجتمع يغلب عليه السفور؟
- بالنسبة لي: النقاب يمكِّنني من المساهمة في إعانة الرجال على (غضِّ البصر) الواجب في حقّ الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، وقد صدق الشاعر في وصفه لأضرار إطلاق البصر، فقال:
كلُّ الحوادث مبداها من النظرِ ومعظمُ النارِ من مستَصغر الشررِ
كم نظرةٍ بلغت في قلب صاحبها كمبلغِ السهم بين القوسِ والوترِ
والعبدُ ما دام ذا طَرْفٍ يقلِّبه في أعيُن الغِيدِ موقوفٌ على الخطرِ
يَسُرُّ مُقلتَه ما ضَرَّ مُهجتَه لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ
وهو رسالة لكلِّ رجل أتعامل معه بأن يلزم حدوده في التعاطي معي، وهذا حقيقةً ما ألمسه؛ إذ لا أجد إلا الاحترام والتقدير في معظم معاملاتي مع الرجال على اختلاف معتقداتهم وأنماط أخلاقهم وفي مختلف الميادين، خاصة عندما كنت في الجامعة؛ فقد كنت ألاحظ الفرق في تعامل زملائي من الطلاب مع زميلاتي وفي تعاملهم معي، وهذا ما يُريحني كثيراً.
4. ما رأيك بالدعوات التي تعتبر أن النقاب يجعل المرأة متقوقعة ضعيفة الشخصية؟ وهل يعيق النقاب عمل المرأة؟
- مَن يعتقد بهذا فتفكيره قاصر، لأنه يقصر فاعلية المرأة في المجتمع في حدود جسدها، فهي - في نظره - فاعلة بالقدر الذي تكشف فيه من هذا الجسد... ومما ينبغي أن يُعلَم أن كل شواهد التاريخ تدلِّل على أنّ ستر المرأة لوجهها لم يمنعها من ممارسة مختلف الأنشطة العلمية والعملية، ومن أن تكون ذات شأن ورأي معتَبَر، وفي تاريخنا الحديث المرأة في بلدان الخليج - التي يكثر فيها النقاب - شغلت العديد من المناصب وأسّست جمعيات، وعملت طبيبة ومهندسة ومستشارة و... ولم يمنعها نقابها من كل ذلك، وفي لبنان كذلك، أعرف الكثيرات من طالبات العلم ومن اللواتي يشغلن المناصب الإدارية ومن المشارِكات بفعالية في الحياة الاجتماعية: منقّبات. أحكي ذلك ليس تنظيراً وإنما عن تجربة، فقد تخصصتُ في الإعلام وأنا منقّبة، فلم يمنعني نقابي من أن أكون طالبة على مقاعد الدراسة، ولي في المجال الإعلامي ما يقارب الأربعِ عَشْرَةَ سنة، فلم يمنعني نقابي من مزاولة مهنتي، وأعمل في المجال الطلابي، وأشارك في مختلف الأنشطة المتعلقة بالطالبات من تنظيم لدورات ومؤتمرات ورحلات... وقد شاركتُ في العديد من المؤتمرات التي لها صفة المحلية والإقليمية والعالمية، وتلقيت العديد من الدورات في تطوير المهارات وبناء الذات وفي البناء الثقافي والمعرفي، وفي مختلف الفنون... وفي كل ذلك لم يَحُل نقابي دون تطوُّري، ولي طموحات كثيرة أخطِّط لها، لن يحدّ النقاب منها بإذن الله تعالى، طالما أنها في حدود المسموح به شرعاً. ومن عظمة الإسلام وجمالِهِ وروعتِهِ أنه الإسلام يحكم على مقامات الناس من خلال القلب والعقل وما يترجمانه من عمل، وليس من خلال صورة الجسد. وشكل المرأة وما تلبَس ليسا الفيصل في أمر نجاحها وإثبات فاعليتها في المجتمع، وإن المتقوقع – حقيقةً - هو مَن يستر قلبه وعقله لا وجهه. والأمر المثير للغرابة، أن يكون نقاب المرأة محل استغراب، ومحل خشية من أن يسبِّب لها الإعاقة الفكرية والعملية – حاشاه -، ولا يكون ابتذال المرأة، وتكشّفها، وعرض الجزء الأكبر من جسدها - بشكل تأنف منه فطرة الإنسان السَّويّ وذوقه السليم مِنْ أيِّ دينٍ أو معتقدٍ كان - أن لا يكون كل هذا موضِع استهجان، بل الغريب ألاّ تنظّم الحملات الاجتماعية ضدّه، وأن لا تحاربه كل الهيئات الدينية والاجتماعية، لأنه لا يعيق تنمية المرأة فقط، وإنما يهيئ أسباب فساد المجتمع وانحراف أبنائه، وهذا مما يقلِّل من إنتاجية الفرد ويهدر طاقته فيما يعود عليه وعلى المجتمع بالضرر المحتّم؛ وما ازدياد نِسَب الاغتصاب في بلادنا وبأرقام مخيفة في الغرب الماجن الذي أباح كل ما حرّم الله وحادَّ الله وأعلن الحرب على دينه العظيم، وازدياد دور الزنا المرخّص لها، وارتفاع نِسب المواليد سِفاحاً، إلا حصاد هذا الفلتان الأخلاقي.
5. وأخيراً ماذا تقولين لمن يقول: إن المرأة المنقّبة تعتزل المجتمع وتداري وجهها عنه؟
- ومَن قال بأن المنقّبة تداري وجهها عن المجتمع؟! فالمجتمع مكوّن من أفراد من أعمار مختلفة، تجمع بينهم روابط وعلاقات ومصالح شتى، ولا تستر المرأة وجهها عن كل أفراد المجتمع: ففيه النساء، والصبيان دون سن البلوغ، ومحارم المرأة، هي تستر نفسها عن الرجل الأجنبيّ عنها فقط، وقد تُضطَر إلى كشفه في مواضِع الضرورة، إذ النقاب ليس مقصوداً بذاته وإنما بانعكاساته ومراميه. أسأل الله أن يثبّتنا على الحق وأن يهدي نساء المسلمين إلى التمسك به وسائر النساء إلى معرفة دينه.
بدورنا نشكر الأخت سهاد عكيلة – حفظها الله – على هذا الحوار الشائق والمفيد، ونسأل الله سبحانه أن يثبّتها وسائر نساء المسلمين ويسدّد خطاها على ما فيه رضاه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة