طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
مأساة إنسانية
~~في صباح شتويّ بارد، تهاوى جسدها النّحيل على خرسانة الرّصيف المبتلّ بعد أن أخذ منها التّعب كلَّ مأخذ. أين ذهبت تلك الأيام حين كانت تلقي برأسها على الوسائد الناعمة وحين كانت تجلس مطمئنّة قرب المدفأة؛ تنعم بدفء النّار ودفء العائلة ودفء الأمان؟ آه لو يعود بها الزّمن إلى الوراء، إلى تلك الأيام الجميلة، إلى أيّام ما قبل الحرب، تلك الحرب القذرة التي سلبت منها كلّ شيء وتركتها وحيدة تجول في الأزقّة مكسورة الخاطر وبعيدة عن أهلها.
لقد مضى يومان من دون أن يدخل فاها طعامٌ يذكر، حتّى إنها اضطرّت أن تفتّش في القمامة من دون جدوى. فهل يرمي النّاس طعاماً وهم لا يجدونه أصلاً؟!
نهضت من مضجعها البارد. كانت مصمّمة على بلوغ دار صديقتها "ماجدة" علّها تجد عندها ما يُعفي بدنها الهزيل من موتٍ محتّم. سارت في الدّرب الذي حفظتْه عن ظهر قلب..
وصلت إلى حيث كانت الدّار، فلم تجد إلّا دماراً؛ أحجارٌ متناثرة، أثاثٌ محطّم، أوراقٌ مبعثرة... أخذت تركض وسْط الدّمار تفتّش عن صديقتها بلهفة، وسرت فيها طاقة عجيبة لم تعهدها منذ زمن. ثمّ جمّد أوصالها صوت عويل خرق الصّمت وزلزل الأرجاء، نظرت نحو مصدر الصّوت فوجدت أم ماجدة تنتشل ابنتها وتعانق جثمانها الهامد. التفّ النّاس حول الأمّ الثّكلى فنظرت إلى وجه صديقتها الحبيبة نظرة وداع ورحلت قبل أن تستوعب هول الواقعة.
انتهى بها الحال إلى بيتٍ نال نصيبه من الدّمار، فاستسلمت لنوم عميق في أحد زواياه. ولكن صوتاً اً أثار قلقها، إنّه صوت رجال، رجال يتهامسون على مقربة منها. كتمت أنفاسها وتمنّت أن لا يروها أبداً. رأت ظلالاً تسير في اتّجاهها فتخيّلت رجالاً أشدّاء، أجسادهم كالصّخر وعيونهم تشتعل شرراً وعنفواناً. ثم دنت منها الظّلال وبان الرجال فإذا هم كالأموات، لم يبقَ في أجسادهم لحمٌ ولا شحم، بل تكوّنت أجسادهم من عظام بارزة من تحت جلد مترهّل. كانت وجوههم شاحبة وعيونهم غائرة وقواهم خائرة، إلّا أنّهم استمرّوا بالتقدّم نحوها.
حزنتْ لمنظرهم وتعاطفت معهم وظنّت بأنّهم جاؤوا كي يحملوها معهم ليبحثوا عن الأمل معاً، ولكنّهم عندما أمسكوا بها، شدّوا بأيديهم على عنقها ورأت سكيّناً تلمع في الظّلام، هنا ثارت ثائرتها وعضّت بأنيابها أيديهم فسقطت من أيديهم وولّت تركض ومواؤها يملأ صمت اللّيل...
مات الرجال جوعاً بعد أن هربت منهم آخر فرصة للطعام، وماتت تلك الهرّة أيضاً، وماتت معهم جميعاً ما تسمّى بالإنسانية.
طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!