بين أزقةِ الجائعين..
~~تحدثني إحداهن ودموعها تتساقط من مقلتَيها دونما توقف قاصةً عليَّ سبب بكائها قائلةً: تخيلي دعيت أنا وثمانية من النسوة إلى أحد المنتزهات في هذا الجو الغائم لقضاء نهاية الأسبوع..
صاحبة الدعوة وضعت أمامنا ما لا حَصْر له من الأصناف على أنها (مُقبّلات)، ملأنا بطوننا منها حتى أحسسنا بالتخمة والشبع، إذ بصاحبة الدعوة تنادي الخدم ليضعوا ولائم الرز.
قلنا لها: واللّه شبعنا فقالت: لم نبدأ بعد!
بدأ العُمّال بالتوافدِ واضعين ولائم الرز أمامنا، أصابني الذهول من كمية الطعام فسألتها كم من الذبائح تكلفتِ ؟ ردت فخورةً خمسةٌ من الذبائح قليلٌ عليكم!
تابَعت وفي قلبها غصة قائلة: خمسةٌ من الذبائح لتسعة من النساء؟ اتقِ اللّه!!
اقترحتُ عليها فقلت: ما رأيك بأن تنادي العمّال والخدم ليأكلوا فنحن نحس بالشبع والطعام يكفي قبيلة،نظرت مستكبرة بأن لهم طعامهم الخاص - وكأنهم لاينتمون إلى البشر ولا يأكلون طعامهم!
تتابع وتقول بأنها ماعرضت عليها هذه الفكرة إلا لأنها تعلم جيداً بأن مصير هذه الأطعمة هو وضعها في أكياسٍ ورميها دون استشعار خجلٍ أو خوفٍ من اللّه!
أحزنني هذا الحديث لكنني لم أستغربه بل هي قصة من مئات القصص التي تتكرر وما من مستنكرٍ لها!
أخذني قلبي أثناء حديثها نحو الإنسان الذي يحتضر وهو يبحث عمن يشاركه آلامه ويشعر به ممن يشترك معه بصفةِ الإنسانية!
سار بي قلبي نحو وليمة (المعتّرين) المكونة من ماء وملح إن وجدا أو طبق يتكون من بضعة أوراق شجر مع القليل من الماء ليسهّل عملية البلع - هذا إن وجد الماء وإن وجد ورق الشجر، نسيت أن أخبركم بأن الشجر بات يحتضر أيضاً وأوراقه لن تدوم خضراء قابلة للأكل !
رحل بي قلبي نحو من يأكلون لحم القطط اضطراراً وجوعاً مع تعجبي من منظمات حقوق الحيوان لم تلقِ لهذه القطط بالاً على غير العادة!
أخذني قلبي نحو آهات الصغار بطونهم أرهقها الجوعُ شهوراً يتأوهون استنجاداً بمن يقلّبون أكفّهم مستسلمين لأقدارٍ حلّت عليهم مُرغَمين، بعد أن كانوا يدْعون لأبنائهم بحياةٍ كريمة جميلة تحفّها السعادة والراحة باتوا يدعون اللّه بأن يختار لهم الخير، فالموت وإن كان قدراً صعباً إلا أنه حلٌ يريح هذه الأجساد الغضة من مواجهة ظلم التجويع الممنهج!
فالجنةُ لا جوع فيها ولا نصب.
سار بي قلبي نحو الحصارِ على مدينة (مضايا) السورية الجائعة إلى متى سوف يستمر؟ وماذا سنفعل من أجلهم هذه المرة سوى مشاهدة مقاطع الفيديو التي تصلنا والنحيبِ على أطلالها؟
صوموا عن الطعام على نية الفرج عنهم وفك حصارهم..
تصدقوا من أجلهم مستحضرين قوله عليه الصلاةُ والسلام؛ "ما نقص مالٌ من صدقة".
ولعل نشر قضيتنا لتصل إلى كلِ الأسماع، وليعلم كل إنسان، ولتوجع كل المشاعر، هو واحدٌ من واجباتنا من أجل إنسانيةٍ تحتضر ..
مَن لم يمت غرقاً أدركه الموتُ جوعاً وحصاراً، ومن لم يمت جوعاً وحصاراً قضي عليه بسجونِ التعذيب، ومن لم يمت بالسجون مات تحت أعقابِ البنادق والسواطير، تعددت الأسبابُ والظلمُ واحدٌ!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالبة جامعية مهتمة بالكتابات الأدبية | الدوحـة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة