كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
أمواج الحياة
بصخبٍ تُفاجِئنا، وبقوةٍ تواجهنا، نسمو فوقها أو نهرب منها، وأحيانا نستسلم فنغرق فيها... إنها أمواج الحياة...
سنَّةٌ فرضها الله في هذه الحياة... فهل رأيت بحرًا لا مدَّ فيه ولا جزر!!
فالحياة ما صَفَتْ لغيرنا لتصفوَ لنا.. وكيف تصفو وهي ليست دارَ قرار أو إقامة... بل جسرًا؛ علينا عبورُه بسلامة...
إلى هناك حيث نعيش فلا نموت، وحيث نرجو أن نكون مع الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ.
نعم هي كذلك رياح الحياة...
تعارضُنا ابتلاءً لصبرنا، وتُعاكِسُنا اختبارًا لإرادة الحياة فينا...
فمَن أدار لها ظهره استراح وقتًا من الزمن حتى يعتقد أن الرياح ملَّت وتعبت، وأنها غيَّرت طريقها أو حَرفت وُجْهتَها، فإذا ما قام ليسير عصفت به من جديد، ولكنها هذه المرَّة على نحوٍ أمضى، وبقوةٍ أشدُّ وكأنها كانت تتربَّص به كلَّ الأيام التي خلت، تنتظر بلهفةٍ عودته لتقول له:
إنَّ الهروب من عواصف الحياة لا يفيد... مايفيدك هو أن تهدأ فلا تجزع، ثم تعيد ترتيب أوراقك، وتفكِّرَ في المقدمات والأسباب، وتبحث عن علاج؛ علاجٍ يداوي لا يخدِّر... يُزيل لا يسكِّن.. تتخذ كلَّ الأسباب، ثم تتوكل على خالق الأسباب، تستعين به وتفوِّضُ أمرك إليه... ترجوه وتدعوه وتجأر إليه بدعاء المضطر الواثق بالإجابة، قال سبحانه وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وانتبه... فمشكلات الحياة على نوعين: منها ما يكون ابتلاءً منه سبحانه؛ لا يَد لنا فيها، وعلينا لتخطيها اتخاذُ الأسباب والصبر والثبات، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).ومنها ما نصنعه نحن بأيدينا ونفسح له الطريق إلينا...
نتهاون في الوقاية فنمرض... ونضعف أمام الشهوات فنزل ونسقط، نميل إلى الراحة ونتكاسل فنتأخر ونفشل، نركن إلى حظوظ أنفسنا فنخيب ونخسر، نترك (الأنا) يستعظم فينا فينفضَّ الناس عنا...
لذا كان لزامًا علينا أن نتتبَّع في المشكلات أسبابها فنعالج رأس المشكلة، ولا ننشغل عنها بأعراضها وآثارها...
لا تقطعَنَّ ذَنَبَ الأفعى وترسلَها إنْ كنتَ شهمًا فأَتْبِعْ رأسَها الذَّنَبَا
وهكذا فعندما تنزل بنا خطوب الحياة نكون بين خيارين: إما أن نستسلم لها فتُغرقنا، أو نجعلها تحت أقدامنا ونعلوَ فوقها، فنرتقيَ عِلْمًا وحكمةً وخبرةً.
فالفشل أول خطوة في طريق النجاح، ودروس الحياة يجب أن تجعلنا أكثر صلابةً وقوةً وحكمةً
جاء في الصحيحين أن رسول الله [ قال: «لا يُلدَغُ المُؤمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»
ولأن في كل محنةٍ منحة، جعل الله في صبرنا على الشدائد تكفيراً لذنوبنا؛ قال [: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
فمَن ركب أمواج الحياة بمركب الحكمة والأخذِ بالأسباب، ونصبَ شراع الصبر والتوكُّل على الله، واستعان بمجذاف العزيمة والإرادة، وصل إلى بَرِّ الأمان، وهناك وقفَ يحدِّث الواقفين على شاطئ الحياة حكاية مفادها:
ومكلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِباعـهــــــا
مُتطلّـــِبٌ في المـــــاءِ جذوةَ نــــار
جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُها
صَفْوًا مِنَ الأقذَاءِ و الأكدَارِ
فالــعيـــــــشُ نـــــومٌ والمنيَّةُ يقْظـــةٌ
والمـــرءُ بينَهما خيــــــالٌ ســـارِ
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن