جزيرة (براليه)
أن تغدو مسلماً مطبِّقاً لشعائر الله وشرائعه أمرٌ جَلَلٌ عظيم، فإن أضفت إليه دعوة الآخرين لدين الله، وتوحيده، وترغيبهم بما فيه من شعائر وأخلاق، فذاك أعظم شأناً وأرفع قدراً، وإن أُكرمت واستُجيب لك فهي النعمة العظمى والمنّة الفضلى من ربٍّ كريم.
انتهت مدة إقامتنا في الفندق في اليوم التالي، وبعد العصر ذهبنا إلى المرفأ لنركب السفينة التي ستأخذنا من (ماهي) الجزيرة الكبرى التي نقيم فيها إلى الجزيرة الثانية من جزر سيشل: (براليه)، وقد استغرقت رحلتنا خمساً وأربعين دقيقة.
كان التعب الذي نالنا من السفينة أكثر من المتعة، فمع روعة المناظر والهواء العليل، إلا أنّ كون المحيط هائجاً دائماً في هذا الوقت من العام يجعل حركة السفينة صعبة فيه، إذ تتلاعب الأمواج بالسفينة يمنة ويسرة، طلوعاً ونزولاً، مع الكثير من المطبّات المائية، مما جعل الكثير من الركاب يشعرون بالدوار والغثيان. حمدنا الله على سلامة الوصول إلى الجزيرة، وكانت بحقٍّ أروع بكثير من الجزيرة السابقة، ففيها غابات كثيفة، وأشجار متشابكة الأغصان، وجوّ استوائي جميل طوال السنة. كما كانت جزيرة محمية؛ حيث تفرض الحكومة قانون منع العبث بأشجار غاباتها، أو قطف الثمار منها، وذلك لتسقط الثمار من الأشجار، فتنمو أشجار جديدة، كما يمنع تنظيف الغابات، أو رمي المخلّفات فيها؛ لتبقى الغابة على طبيعتها كما خلقها الله تعالى.
استقبلَنا أحد الدعاة؛ وكان يتقن العربية، ومن خرِّيجي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فأوصلنا إلى مسجد الجزيرة، وكان الوقت قبيل أذان المغرب، فدخلتُ إلى قسم النساء، وعرّفتهنّ بنفسي وتعرفتُ عليهن، وأفطرنا سوياً ثم صلينا معاً..
بعد فجر اليوم التالي أخذنا الداعية في رحلة لمشاهدة جزيرة (براليه) وقد شعرتُ للحظة أنني في جنة حقيقة.. تجوَّلنا على الشاطئ والغابات، وصعدنا الجبل، شاهدنا جزيرةً يسمونها (بنت العم) وجزيرة أخرى يسمونها (بنت الخال).. وفي نهاية الجولة توقفنا عند مدخل غابة محميّة، شاهدنا فيها جوز الهند الغريب الذي لا يوجد منه في العالم كلِّه إلا في هذه الجزيرة، والغريب في هذا الجوز أن الشجر الذَّكَرَ منه يشبه الإنسان الذَّكَرَ، وأنثى الشجر منه تشبه الإنسان الأنثى، وشجرة الجوز هذه يزرعونها فتسير جذورها مسافة خمسة أمتار ثم تبدأ بالنمو، وبعد ثلاثين سنة تبدأ ثمارها بالظهور، وثمرة الجوز الناضجة مسجَّلة في موسوعة (غينيس) على أنها أكبر ثمرة جوز في العالم.
أثناء جولتنا على هذه الجزيرة كان الداعية يحدثنا عن سيشل وتاريخ الإسلام فيها، وكيف أنّ أهلها سمعوا عن الإسلام عن طريق التجار الهنود منذ مئة وخمسين سنة، ولكن العجيب أن أولئك التجار كانوا يحتكرون الإسلام، فلا يسمحون لأحد باعتناقه، ثم بدأ رويداً رويداً بالانتشار.. أما في جزيرة (براليه) فقد بدأ الإسلام منذ ست سنوات، وكان عدد المسلمين ثلاثة فقط، ثم بدأ ينتشر حتى صار عدد المسلمين اليوم فيها حوالي مئتي مسلم، كلهم من أهل سيشل.
أما عن قصة إسلامه فقال: إنها كانت محض مصادفة، فقد كان صديق له يتعاطى المخدرات، حدَّثه يوماً عن الإسلام، وبيّن له أنه دين عظيم يدعو إلى التوحيد ومكارم الأخلاق، ويحرّم ما يضرّ بالإنسان، ولكن نقطة ضعفه تكمن في المخدرات، وهي محرَّمة وليست من الإسلام في شيء.. ثم أهداه نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الإنكليزية، فقرأها ذلك الداعية، وبدأ يسمع للشيخ أحمد ديدات، ويقرأ كتبه، حتى اقتنع بالإسلام وأعلن إسلامه. وبقصته هذه لفت الانتباهَ إلى أن الدعوة إلى الإسلام واجبةٌ على كل مسلم ومسلمة مهما كان تقصيره في جنب الله، وأنّ عليه ألا يحتقر نفسه ويزدريها بسبب ما يُثقل كاهلَه من معاصٍ وسيئات.
ثم سأله زوجي عن مدى التزام النصارى هناك بدينهم، فأجاب: بأن غالبيتهم نصارى بالاسم فقط، وأنهم لا يتَّبعونها حقيقة، بل بعضهم لا يفهم تعاليمها. ثم إنه سنحت له فرصة إتمام دراسته الجامعية، وحصل على منحة للدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ولمّا أتمّ دراسته رجع إلى سيشل، وبدأ بالدعوة إلى الله تعالى.
ولمّا سأله زوجي عن طريقته في دعوة النصارى إلى الإسلام، أجاب بأنه يبدأ معهم بالتشكيك بعقيدتهم عن طريق إثارة تساؤل: هل يختلف الابن عن الأب في الصفات البشرية؟ فلمَ إذاً تقولون إن عيسى هو ابن الله؛ وهو يختلف عنه؟ إنَّ كونَه ابنه يلزم أن يكون عيسى مثل الله _ تعالى الله عما يشركون _ أي يلزم أن يكون لكم إلهان اثنان. ومن هنا يبدأ النصارى المدعوّون بالشكّ في دينهم، ويبدؤون البحث عن الإسلام، والقراءة عنه.
وفي الجزيرة جامعٌ تقام فيه الجُمَع والصلوات، ويؤمهم شيخ أسلم منذ سبع عشرة سنة، وهو أحد خرّيجي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
كما ذكر لنا أن سيشل مكونة من مئة وخمس عشر جزيرة: أربع منها مأهولة بالسكان، أما باقي الجزر فهي إما غير مأهولة، أو أنها للسياحة، أو بها مصانع لتعليب سمك التونة.
في المقالة القادمة نستكمل جولتنا إلى الجزيرة الثالثة (اللّاتيك)..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة