العمامة «الماجنة»!
لا يكاد يختلف اثنان من أن إساءة الرمز الديني إلى الدين، سواء بفتاواه الشاذة وسلوكياته الفاسدة، أو بمواقفه المخزية في نصرته للباطل والتطبيل للطغاة، تعد أشد وقعاً على سمعة الدين وقناعات أتباعه من جميع الإساءات التي يمكن أن تأتي للدين من خصومه أو من العوام أو من أي جهة أخرى.
في السنين القليلة الماضية، ركز الإعلام العربي ـ وأظنه قاصداً ـ على الفتاوى الشرعية الشاذة والغريبة والمخجلة بالتزامن مع ازدياد الخراب والاحتراب والانهيارات المتعددة في منطقتنا العربية.
فمن فتوى تبيح تبادل القبلات بين الشباب والفتيات لتخفيف الاحتقان الغريزي لدى الأجيال!
إلى فتوى تجيز لزوجات رجال الأعمال أن يرضعن السائق والطباخ والسفرجي ومن في حكمهم من (الكبار) بغية تحويلهم إلى محارم!
إلى فتوى من المغرب ترخص لمعاشرة الزوجة بعد موتها مباشرة!
والأمثلة على مثل هذا الشذوذ (الاجتهادي) لا تنتهي، بل ولعل من مصلحة البعض المباشرة ألا تنتهي.
ولأهمية الموضوع وحساسيته وما يلحقه من توظيف إعلامي وعلماني مقصود في تشويه وتهوين صورة الدين من خلال تسويق صورة المتدين الهزلي والمتناقض وربما الماجن، فقد ناقشته قبل أربع سنوات ضمن برنامجي «أكثر الناس» على قناة «الراي» تحت عنوان «الفتاوى الشاذة» باستضافتي لأهل الخبرة في المجال / الدكتور أحمد حجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية الكويتية والشيخ تركي المطيري مدير إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف.
ولقد بدأ الدكتور الكردي جوابه على سؤالي الأول بقوله:
«الفتوى من أهم وأخطر ما يمس أمن المجتمع» وشرح معنى جملته هذه.
وإذا ما أدركنا معنى الدين في شموليته وتكامله والأمانة الملقاة على عاتق المختصين وأثر فتاواهم في حياة الناس، سنتفهم حينها فقط حكمة التشديد والتحذير المذكور في مدونات الفقه الكبرى تجاه الفقهاء الذين يتلاعبون ويتميعون بالدين وبالفتوى، فنقرأ فيها موضوعات مثل «حبس المفتي الماجن» و«حبس المفتي بالأقوال الغريبة والشاذة».
وقد ضمنها الدكتور حسن أبو غدة في رسالته الدكتوراه المطبوعة بعنوان «أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام». وسرد فيها ما قرره الفقهاء.
وإذا كان هناك تساهل من الجهات المعنية في إيقاف هؤلاء العابثين بالدين عند حدهم، وإذا كان المفتي أو الأستاذ الشرعي أو الشيخ الذي فقد توازنه يستفيد من خلال آرائه الشاطحة بكسب الشهرة والاستضافة الدائمة والمربحة على الفضائيات وفي الصحف، فإن هناك ملحظاً آخر يزيد المشهد الهزلي سوءاً لهؤلاء الذين ارتضوا أن يلعبوا دور الأراجوزات.
إنه عبر تاريخ صراع الأفكار وتدافع المفاهيم بين المتخالفين، فإن الخصم (المتربص) يستغل شذوذات الرأي عند المخالف (الأحمق) فتكون بالنسبة إليه هدية قدمها الثاني للأول على طبق من ذهب، ومنها يكون الاختراق للطعن وهدم أفكار نظريات أو عقائد خصمه.
وهذه لعبة أعداء الإسلام اليوم، وقد أجادوها بخبث ونفذوها بوقاحة وتم استثمارها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
لذا نقرأ في كتاب المنطق، المعنون بـ «ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة» للميداني تحت مراتب الحجج عنواناً يقول:
«جدليات الملحدين وسائر المضلين وأصول مغالطاتهم»، وكانت النقطة الثامنة:
«تصيد بعض الاجتهاد الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي الإسلام، مع أنها منتقدة مردودة من قبل مجتهدين آخرين، أو من قبل جمهور علماء المسلمين».
فالموضوع لن يقف عند سلوكيات وفتاوى مضحكة ومستهجنة، وإنما تنتقل إلى التشكيك في الدين ذاته عند غير العلميين والعوام من حيث إنه يرتسم في مخيلتهم إمكان أن يستنبط منه الشرع ما يبيح كل شيء وأن النصوص الدينية مفتوحة لتتكيف مع الواقع مهما كان منفلتا... وهذه غاية ما يروج له الغرب السياسي ويدعمه زبانيتهم من الشرقيين وهو التجديد الديني المنشود الذي يفضي في نهاية المطاف إلى إفراغ الدين من محتواه أو تشكل دين جديد!
ما دفعني لتسطير هذا المقال التداول الواسع للمقطع الهزلي الذي تم تداوله لشيخ أزهري بعمامته وجبته وقد جلس أمام مذيعة وهي في كامل استعراضها السافر لتطلب منه أداء أغنية للمطربة أم كلثوم وفرقة العزف الموسيقي تعزف بالجوار!
تلاحظون الموضوع تعدى الفتاوى الشاذة والمواقف الباطلة إلى الظهور بكل ما يسقط المكانة لمن يمثل التدين العلمي!
تخيلوا لو قام بهذا الدور أحد القضاة أو عسكري ذو منصب أو واجهة ديبلوماسية للبلد!
هل سيكون محترماً في عيون الناس ووجدانهم؟
وهل ترضى الدولة عنه؟
وهل ستسمح الأنظمة بأن يكون الرمز عسكرياً كان أم قضائياً أم ديبلوماسياً محط تندر ومهزلة إلا إذا قررت التخلص منه بإعدامه اجتماعياً؟!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة