عاشوراء.. يكشفُ الادعاءات الكاذبة
إنّ من الخطورةِ بمكان أن يكونَ دُعاةُ أيِّ قضيةٍ أدعياءَها، وأن يدافعَ عنها أعداؤها، لذا كان السهمُ الذي يطعنُ من الخَلف أشدَّ إيلامًا من السهم الذي يفِدُ من الأمام، ولهذا كانت جنايةُ المنافقين على الإسلام أعظمَ من جناية الناكرين له الكافرين به.
لقد حملَ اليومُ العاشر من المحرَّم حدَثَين جَلَلين في التاريخ القديم وبعد زمن النبوة بقليل، أما الأول : فهو نجاةُ نبيّ الله موسى عليه السلام وقومِه المؤمنين من فرعونَ وجنوده، حيث مُنِيَ فرعونُ بهزيمةٍ تاريخية نَكراء؛ عندما أمرَ الله جلَّ جلاله البحرَ أن يَكتمَ أنفاسَه ويرميَ بجُثّتِه على الشاطئ، ليكون عبرةً للطغاة المجرمين على مرّ التاريخ.
وقد تكلّلَ هذا الحدثُ الجَلل بفرحٍ وتحذير:
أمّا الفرح؛ فهو استحبابُ صيام عاشوراء، فقد شرعه صلّى اللّه عليه وسلم عندما قَدِم المدينة ورأى اليهود يصومونه شكراً على نجاةِ بني إسرائيل من إجرام فرعون، فقال لهم: 'أنا أحقُّ بموسى منكم، فصامَه وأمرَ بصيامه' أخرجه البخاري ومسلم.
فهو تجديدٌ سنويٌّ لذكرى انتصارِ المظلومين واندحارِ الطغاةِ المستبدين.
والتحذير؛ في قوله صلى اللّه عليه وسلم لهم: 'أنا أحقُّ بموسى منكم'، إذ تحمل العبارةُ في طيّاتها غلظةً في الخطاب؛ تومئ بالتحذير من دَيْدنِ اليهود في المكر والخداع وعدم الوفاء، وقد أثبتتْ الأيامُ فيما بعد صدقَ هذا التحذير، عندما غدرَ اليهود برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وحاولوا قتلَه، ثم أجلاهم من المدينة.
فكان هذا التحذير إشعاراً بطريقة التعامل مع اليهود، الذين ترسّخَ في الأذهان فيما بعد أنهم أعتى الأعداء و أشدُّ الغدّارين بالإسلام والمسلمين، وأن مَن يَمُدُّ الجسورَ معهم اليوم يَعي ذلك، لكنَّ هوى المنصب يأخذ صاحبَه مهاوي الذّل والخضوع للأعداء.
أما الحدث الثاني الذي جاءَ بعد قُرون من الزمن وحملَ خبرَ استشهاد سبطِ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وريحانتِه من الجنة في العاشر من المحرّم أيضًا من عام 61 هجرية: السيّد الحسين بن علي رضي اللّه عنهما، على يدِ المستبدِّين والغوغاء المنافقين.
وقد تركَ هذا الحادثُ الأليم الذي أدمى قلوب المسلمين نُدَباً في القلوب، وظّفَها فيما بعد أناسٌ أسِيرو الأحقاد، فدعَوا مجالس عزاء موشَّحةً بالسواد يجدّدونها كل عام خلاف تعاليم الإسلام، يسترسلُ أصحابها بالبكاء والنُّواح والصُّراخ، ويضربون الخُدودَ ويلطمون الصدور في ظاهرةٍ تخالف تعاليم النبوّة وتنجَرُّ مع دعوى الجاهلية، زعماً أنها احتفالاتٌ عفوية تعبّرُ عن محبةِ الحسين والحزن عليه، وما هي في حقيقتها إلا نارٌ يَنفخ في أُوارِها الإعلامُ الخبيث والمتاجرون بدمِ الحسين عليه السلام، وطبولٌ تُضرَبُ كلَّ عام من أجل التهييج ورفع مستوى حقدِ طائفة تُجاه جماهير المسلمين.
وبذلك يكون عاشوراء كاشفاً عن زَيف نوعَين من الناس، الأول: اليهود الذين يستمرئون الغدرَ، ويتحَيَّنون الفرصَ للإيقاع بالمسلمين، والثاني: أهل أهواء لا يرتضي تصرّفهم عقلاءُ طائفتهم، يتستّرون تحت عباءة الإسلام، ويدَّعون أنهم أولياءُ دم الحسين عليه السلام، فينكشِفُ أنّهم من أشدِّ معارضي تعاليمِه في ممالأة الطغاة والهَوَس في بثِّ الأحقاد.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة