من آثار الرّبا المدمّر.. في تخريب البيت المعمّر!
لقد نهى الله تعالى عباده عن كثير من المحرمات والتي يطال فيها الضرر أبدانهم، وأموالهم كما يحفظ لهم بالضرورة دينهم، ورضا خالقهم بتركها والحذر منها.
ومن تلك المحرمات في المال، وصنوف التداول فيها: (الرّبا) وهو كل زيادة مشروطة مقدّمة على رأس المال مقابل الأجل وحده، وإن كان أكثر الناس ربّما سوّل وزيّن لهم شيطانهم بأن يسمّوا ربا أموالهم بـ(الفائدة)، فإن تلك التسمية لا تبيح تحليل ما اقترفوه من الإثم.
لأن تلك الفائدة غير مشروعة، وأن ليس للعباد أن يضعوا أنفسهم في موضع التشريع، والتحليل والتحريم، وليس ذلك إلا لله وحده قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}، وإثم التحريف فيه ليس بخارج عمن عنتهم الآية، وفي آية صريحة عن التلاعب بحلال الله وحرامه وتحديدًا في الرّبا يقول تعالى حكاية عن أهل الجاهلية وكل من يسير مسارهم إلى قيام الساعة {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}، فكان جواب الله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
والفرق بين الحلال في البيع والحرام في الربا، ليس قولًا نظريًّا؛ بل له أدلته ويمكن جمع تلك الأدلة في ثلاثة أمور أساسية:
(١): إنّ البيع هو المبادلة (لعَيْن)، أي سلعة وبين الربا الذي هو الزيادة على الثمن عند حلول الأجل، وتعذّر التسديد.
(٢): البيع تبادل منافع برضا الطرفَيْن أمّا الربا، فهو استغلال الغني الكواسر لحاجة الفقير المعوز (بتشديد العين) ولعجز الأخير بالوفاء لما عليه.
(٣): البيع مقابل الجهد، والتعب في التجارة، أمّا الربا، فهو مقابل الزمن، فليس له إذًا عوضًا معتبرًا شرعًا.
وقد يقول أحدهم، إذا كان الربا فيه منفعة للطرفيْن، سيّما في المعاملات البنكية وليست يدًا بيد، حيث يكون التعامل الربوي فاقعًا ظهوره، فما الضَير في ذلك، إذا كان لكلِّ واحد منهما نصيبه من الربح، وكأنه وجه من وجوه التجارة. إذا ما كان المصرف يستعمل مال المودعين في تأسيس مشاريع تجارية في البلد، تعود بالنفع العام.
ونقول ردًّا على ذلك، فإنَّ ديْدن المصارف وهمّها الأول هو تأمين أكبر عدد من المودعين ليحقّ لها الإقراض بأسعار مرتفعة من الفائدة، وبالتالي تمتص أموالهم بما اختزنته من أموال المودعين ليصل الأمر إلى ما وصلت إليه مصارف بلدنا، حيث فقد المودع ومن يريد أن يقترض القدرة على أن ينتفع أحدهما بالآخر وتحولت المصارف إلى جثث خامدة وهامدة بلا حراك.
ونعود هنا لنقول إن التحريم الرباني لنظام الربا الجشع قد وجد صدق من وضعه، وهو العليم الخبير حتى عند غير المسلمين، عندما مَحق الربا حتى رؤوس أموالهم ووصلوا إلى القعر في الإفلاس.
لقد قال القرآن ما يمكن عدّه دستورًا خالدًا في كل الأحكام التشريعية، ومنها المتعلق بالربا.
فيقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وليس معنى ذلك أنه يجوز أن يأكل الناس الربا ضعفًا واحدًا؛ بل لأنه وفي علم الله تعالى أنّ الربا له جذور كلما قطعت له رأسًا، بقيَ له منبت يرفعه من جديد، ولذا قال تعالى في آية ثانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وهل وقف الأمر عند هذا الحدّ، لا، قال تعالى متوعدًا: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} الآية، وقد وجد الناس حقيقة هذه الحرب الإلهية.
ولهذه الحرب وجهان من العقاب أحدهما دنيوي والآخر أخروي، فأمّا الوجه الأول فكان بما أصاب العالم المتقدم في بلاد الغرب من القرن الماضي من حروب. ماحقةً النظام الاقتصادي الربوي الذي يقوم على قاعدة القروض بأنيابه القاطعة. وهو أحد أسباب وصول الدول تلك إلى ما وصلت إليه، وقد وصلت شرارة هذا الجحيم الربوي إلى بلداننا التي تخلت في أحكامها التشريعية عن النظام الإسلامي المصرفي في غالبها وتأسّت بالنظام الغربي الكافر، حيث تجلّى العقاب الإلهي الدنيوي على كل من له صلة بالربا وأهله من مودعين ومن مساهمين ومقرضين ليذوقوا وبَال أمرهم، بأن يتبخّر المال المودع، فلم يبق للمودعين حتى رأس مالهم الذي استخدموه ليدرّعليهم الأموال المحسوبة كل شهر لهم وهم في بيوتهم، بلا كدّ ولا تعب.
وأما العقاب الأخروي لآكلي الربا فهو أليم شديد، قال تعالى في توصيف صورة من صور أهله {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، الآية.
وهذا الذي قدمناه هو غيض من فيض ممّا أعده الله لأهل الربا من عقاب في الدنيا والآخرة ومن كان لا يصدق، أصبح الآن من المصدقين بعد أن شاهد آثار الربا المدمر لأكثر من بيت معمّر.
نسأل الله السلامة والعافية من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
والحمدلله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة