أ. عائشة عبد الله عزازي، بكالوريوس في اللغة الإنكليزية. مديرة تنفيذية لمركز تدريبي في الرياض.
رهبةٌ باكية
وَمَضات زرقاء أضاءت السماء، تبِعتها رجفات رجفة تلو الأخرى، أجفلت الشجر، والحجر قبل البشر، أذهلت العقول، وأدمت القلوب، لحظات عصيبة مريرة مخيفة، عاشها مغربنا الحبيب فقد تمارت الأرض واهتزت تحت أقدامهم، وضاقت عليهم بما رحبت، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا}، فتصدعت الجبال وماجت البحار، وانهالت المباني فوق قاطنيها، وسُوّيت بالتراب، وصرخات استغاثة من تحت الأنقاض، وجثث متراكمة، أطفال، وشيب، وشباب، ونساء، ورضع بلا أمهات، وحوامل بلا رضع.
اختلطت الأعراق والأجناس، وغدَو كالزرع متناثرًا في كل مكان، وأناس باتوا في العراء بلا مأوى، لا تقوى أطرافهم على حمل أجسامهم الواهية من هول الفجيعة، شاخصة أبصارهم لرب البرية، متضرعة راجية رحمته وعفوه ورضاه، سبحانك ربي ما أعظمك في ثوانٍ معدودة تصارعت طبقات الأرض مع بعضها البعض، وتخبطت أمواج البحار، وتبدل الحال، وأضحى باطن الأرض أعلاها والعكس صحيح، فاختلّ ميزان الكون الفسيح فاضطربت أجزاء منه وتوقفت عجلة الحياة؛ فتفرق الأحباب ووجمت الوجوه وضاعت الأماني، وتبخرت الأحلام في مهب الريح، وفقدت آثار الماضي التليد الذي كان وجهة غنّاء للزوار من شتى بقاع المعمورة.
وفجأة دون سابق إنذار سكن الكون من جديد وصمتت الأرض وتوقفت أنفاسها وانحسرت المياه وهدأت أمواج البحر العاتية، وأخذ الصحب بتفقد الأحباب، والعائلة بتفقد أفرادها، والجيران بل حتى الأبواب والأسقف والساحات والمساجد ودموع الحسرة تتساقط كزخات المطر السخية، وأصوات تعلو هنا وهناك، المشفى، بيت فلان، المدرسة، دكان الألعاب قد غدت ركامًا، أكوام من الحجارة، والغبرة تعبق بالمكان، ورائحة الموت تعلو الأرجاء، وفرق تتبع أخرى لعل وعسى أن يجدوا أحياء تحت التراب، أو لعل وعسى نجد جثمان فلان والطفل فلان والشيخ فلان، وفلانة، وفلان، لكن هيهات فقد فرقتهم الرجفة وجمعهم الموت... في قبر واحد.
مشاهد دامية تنقلتها وسائل الإعلام، وأصوات شاشات التلفاز لا تهدأ، وصدى أصوات المذيعين لا تنضب من كلمات الحسرة والألم ومن صحيات ندب تمزق الأرجاء، والبعض يقول عقوبة لهم من رب البرية، بل سوط من سياط الرحمن لذنوب اقترفت، وأصوات علماء يفندون هذه المقولة بالشجب، بأن هذه رجفات فيها دروس وعبر وتخويف للعباد... وأنّ ضحايا الزلازل لهم مكانة عظيمة عند الله وهي مرتبة الشهداء.
لما ورد من أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة_رضي الله عنه_ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ" نسأل الله أن يتغمدهم برحمته ويمدهم بالعون والمدد ويصلح ما خلفه الزلازل من آثار سلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة