ناشط إسلامي في الحقل الشبابي، متخصِّص في الهندسة الميكانيكية | لبنان
النُّخب.. وتواصل الدعاة
من أكبر الأزمات والأمور التي تحجب الداعية عن الاختلاط بالناس هي افتراضه بأنه مثل البيضة، وأنَّ النُّخَب الاجتماعية المثقَّفة من الناس مثل الأحجار الصَّلدة التي يُرَيد تكسيره وتهميشه، بل وسَلبه إيمانه إذا احْتك بهم؟! إنَّ هذه مقولة خاطئة جرَّت على مدار السنين ويلات على الأُمَّة بفقدها النُّخَب، فلا مجتمع ولا دولة دون وجود النُّخب فيه في كل الميادين، وهذه النُّخبة تُعدُّ العقل المفكر والباحث عن حلول المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التي يعاني منها أيُّ مجتمع.
ثم يأتي الخطأ التاريخي من الدعاة بحقهم بعدم الاختلاط بهم والتواصل معهم لكسبهم دَعويّاً في صفوف الدِّين، ولكي يتحولوا من النُّخبة إلى الصَّفوة التي عرَّفها الإمام ابن الجوزي في كتابه «صفة الصَّفوة»: "الصَّفوة هم العاملون بالعلم، الزَّاهدون في الدنيا، الرَّاغبون في الآخرة، المستعدُّون للنّقلة بتحقيق اليقظة والتزوُّد الصالح". وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صفوة الخلق وقدوة العالَم...
ومن خلال ما ذُكِر من وصفٍ للنُّخب والصَّفوة، ومن خلال التَّعرف إلى صفاتهم؛ لا يصح أن يَكَلَّ أو يَمَلَّ داعية إلى الله في دعوتهم. فإنَّ الداعية المؤمن قوي الحُجَّة، عزيز النفس. وسننجح بعون الله إذا ما طرقنا باب النُّخب، وعكفنا عليهم إرشاداً وتوعيةً، ليتأهَّلوا لمرتبة الصَّفوة التي تبني المجتمع الإسلامي الحضاري على منهاج النبوة... ولن ندخل عقولهم إن لم نكن نحن من الصَّفوة... ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان رأساً وعَلَماً في معرفة النُّفوس والتَّنقيب والكشف عن الطاقات واستدراجها، فقد أدرك قوة عاطفة أبي بكر وصدقه ووظَّفها، وشدة عمر وعدالته فاستقطَبه، وعسكريَّة خالد الفريدة فتطلع أن يكون في صفِّه، وشِعْر حسان، وفِقه معاذ، ورِقَّة الأنصار... لاحظه النبي صلى الله عليه وسلم محليّاً في قومه لاستثمار طاقات فاعلة ليتمكَّن من تقوية الشوكة وبناء الدولة وتشييد الحضارة التي تحتاج بين رهطها صفوة مميزة... وقد تطلَّع النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في دعوته التي كسرت حاجز القبيلة إلى خارجها بدعوة الملوك وتقريبهم، ولنا في استجابة النجاشي عبرة...
إنَّ دعوة النخبة إلى الاشتراك في بناء الأُمَّة مَطلب دعويٌّ لن نحقِّقه إلا بالتواصل الذي يستدعي هِمَّة عالية وقدرة فائقة؛ تتطلب من الدعاة مزيداً من العلم والمهارات في المجالات كافة، وتتطلَّب ثقافة واعية تُمكِّن الداعيةَ من استقطاب الأوزان الثقيلة والطاقات الفريدة والمميَّزة للدِّين...
ضع نفسك في خانة الأتقياء، وتزوَّد بالعلم والثقافة جمعاء، وأعدَّ روحاً تسمو للعلياء، وكُن لَبِنَة من لبِنات البناء... بناء صرح الإسلام وهذه وصيتي إليك...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن